الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 425 - الجزء 2

  قلنا: الخطاب في الآيتين خاص بالمؤمنين، فلا يدخل فيه الفاسق؛ بدليل أن الآية الأخيرة ذكر قبلها {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}⁣[آل عمران ١٩١]، الآيات إلى قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} فلا دخل للفاسق فيها؛ إذ لا عموم يمكن دعوى دخوله فيه. وأما الآية الأولى فإنها وإن كان فيها صيغة عموم في {مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} إلا أن أولها وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} صرف العموم عن ظاهره، وعلم به أن المراد من أحسن منهم، فلا يدخل الفاسق في هذا العموم.

  فهذا ما سنح من الآيات القرآنية التي يتشبث بها المخالفون، وبعضها قد صرحوا بكيفية الاحتجاج به وحرروه، وبعضها إنما استخرجناه لهم على مذهبهم من ظواهر الآيات، ولم نقف على كيفية احتجاجهم به كما ذكر، لكن حسن إيراده ليعلم المطلع كيفية رده وتأويله عند قدح الشبهة عليه، وقد علمت أيها المتأمل أنها جميعها بعد إبطال استدلالهم بها عند كل آية على حدتها لا متمسك لهم بشيء منها، وحينئذ فتبقى الآيات التي مر الاحتجاج بها على المذهب الحق وهو دخول الفساق النار وخلودهم فيها سليمة عن المعارضة، معصومة عن المناقضة، كما هو الواجب لكتاب الله المجيد الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}⁣[فصلت ٤٢].

  وأما ما استدلوا به من جهة السنة: فقد استدلوا بأحاديث رووها عن أسلافهم وادعوا تواترها معنى؛ لأن تواتر لفظ أحدها لو ادعوه لأكذبتهم الضرورة، حيث إن تلك الأحاديث إنما تحفظ عن فلان عن فلان، ومتواتر اللفظ: هو ما رواه جماعة عن جماعة بحيث يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة ثم كذلك حتى ينتهي الحديث إلى النبي ÷، ولا يحيل العقل تواطؤهم على الكذب إلا إذا كانت الجماعات في كل درجة من الموالف والمخالف، فلما