الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 426 - الجزء 2

  كان لا يتأتى لهم دعوى التواتر اللفظي ادعوا التواتر المعنوي، مع أنهم يروون تلك الأحاديث مختلفة المعاني، متباينة الدلالة والمباني.

  فمنها: ما يدل على الخروج من النار بعد الدخول، وهذا هو الشيء اليسير والنزر الحقير، وإن رواه الجم الغفير، مع احتماله التأويل، فلا يفيد العلم بالمطلوب كما سنوضح لك ذلك.

  ومنها: ما يدل على أنه يتوجه بهم إلى النار ثم يصرفون عنها ولا يدخلونها، وهذا أقل من ذلك اليسير، وأعز من ذلك النزر الحقير، فهو أبعد في الدلالة مما قبله.

  ومنها: ما يدل على أنه يعفى عنهم ابتداءً من دون أن يتوجه بهم إلى النار، وهذا أبعد في الدلالة مما قبله على مطلوبهم، بل لا دلالة فيه البتة؛ لما فيه من الإجمال؛ لأنها حكاية فعل لا يعلم على أي وجه وقع ذلك العفو عنهم، هل مع موتهم على الإصرار، أو مع توبة تقدمت الموت ولو بوقت قبل أن يغرغروا، أو مع زيادة حسنات لهم زادت أو زاد ثوابها على معاصيهم أو عقابها؟ وعلى التقديرين الأخيرين تخرج المسألة عن موضع البحث والنزاع ويعود الكلام وتلك الأحاديث دلالة على مذهبنا، وهما أولى بالترجيح من التقدير الأول وهو الموت على الإصرار لموافقتهما لما مر من الأدلة القطعية الدالة على وقوع العقاب على أهل الكبائر المصرين، ولأنه يشهد لهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}⁣[آل عمران ١٣٥]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ١٧ وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ١٨}⁣[النساء]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ