الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 428 - الجزء 2

  إلى نفسها فامتنع منها كان له كذا وكذا»، فتعلقوا بهذه الأحاديث من حيث تعلق الجزاء بالفعل المذكور ولو كان الفاعل ذا كبيرة تاب عنها أم لا، زادت حسناته على سيئاته أم لا، كما هي قاعدة العموم.

  ولا دلالة لهم فيها على مدعاهم لوجوه ثلاثة:

  أحدها: أن كل مطلق يجب حمله على المقيد كما هو المقرر في أصول الفقه، وإلا أدى إلى إهمال القيد، وهو كلام حكيم لا يجوز إهماله كما قدمناه في الأصول السبعة المتفق عليها، فيقيد بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}⁣[المائدة ٢٧]، والمصر على الكبيرة ليس بمتق فلا يقبل منه ما فعل ما لم يتب.

  ثانيها: أن دلالة العموم عند الخصم ظنية بكل حال، فلا تدل تلك الأحاديث على مطلوبه إلا ظناً، و {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.

  ثالثها: أن حملها على العموم يؤدي إلى معارضة الآيات والأحاديث التي مر ذكرها، وهي قطعية متناً ودلالة كما مر تحقيقه، وهذه الأحاديث لا قطع فيها بمتن ولا دلالة، غايتها إن سلم الظن، ولا يجوز ترك القطعي والعمل بالظني كما هو أحد الأصول السبعة التي مر ذكرها، ولا خلاف في شيء منها.

  إذا عرفت ذلك فلا معنى لنقل ما ورد من هذا القبيل والذي قبله؛ إذ لا دلالة فيهما على مدعى الخصم وإن كثرت وبلغت حد المئين أو الألوف، وإنما ينبغي أن ينقل ويتكلم فيما يرجع إلى أي القسمين الأولين الذين ذكر فيهما الخروج من النار أو صرفهم عنها بعد التوجه بهم إليها، أو ما في معنى ذلك مما يوهم الغفران لأهل الكبائر من دون توبة.

  فهذه الجملة المذكورة ينبغي معرفتها قبل الأخذ في نقل ما يتمسك به المخالف من السنة، ولا غنية لمن أراد معرفة الحق في المسألة التي نحن بصددها.