الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 440 - الجزء 2

  دخل أحد منهم النار، مع أنهم جميع الأمم الأولين والآخرين، فلما سجد ÷ وقيل له: ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع، قال: أمتي أمتي، أي: لا أطلبك الشفاعة لجميع هؤلاء، وإنما أطلبها لأمتي، فاستجاب الله طلبته وقبل شفاعته، وقال له: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه، وهذا يدل على ما ذهبنا إليه من أن الشفاعة لا تكون للفساق؛ لأن عليهم الحساب الشديد بلا خلاف، ويدخل في قوله: «من لا حساب عليه» من استوت حسناته وسيئاته، ومن زادت حسناته على سيئاته من باب الأولى، والمراد: من لا حساب عليه حساباً كبيراً؛ لقوله تعالى في المؤمن: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}⁣[الانشقاق ٨]، أو يعلم منه أنهم في تلك الحال ما قد دخل أحد جنة ولا ناراً، فينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها أي: في عرصة المحشر - جثياً، ثم يساق المؤمنون إلى الجنة زمراً، والمجرمون إلى النار زمراً، وليس في رواية أبي هريرة أنه يقع منه ÷ ذلك غير مرة واحدة، ورواية أنس أنه يتردد ثلاثاً أو أربعاً، كل مرة يشفع في حد محدود ووزن من الإيمان معلوم، وهذا لا توافقه رواية أبي هريرة، مع أنها تشهد لها آيات الكتاب العزيز، مع عدم تناقضها وجري الكلام معها على نسقه، بخلاف رواية أنس فلا شاهد لها من الكتاب، ولا هي جارية على نسق الكلام؛ لأن بمقتضى سياق أولها أن الناس عند طلب رسول الله ÷ الشفاعة ما قد دخل أحد منهم النار، فقوله جواباً عليه: «اذهب فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة» ليس على نسق الكلام؛ لأنهم ما قد دخلوا ناراً إذ ذاك، فهو تهافت في الكلام، ومناقض لمعنى أوله، كما ذلك ظاهر لمن تدبر سنة رسول الله ÷، وفرق بين غثها والسمين، وعرضها على آيات الكتاب المبين، إلا أن رواية أنس ¥ إن فرضنا صحتها عنه كما ذكرت في هاتين الروايتين تحتمل التأويل بأن الله تعالى قال: اذهب فأخرجهم من النار، أي: نجهم منها فلا يدخلونها؛ لأنهم مع كونهم بين تلك الأمم شفقون أن لا ينجوا منها؛ لأن من كان شفقاً أن يقع في شيء ثم نجي منه قيل: «قد أخرج منه» تجوزاً، وكذلك من