[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  بين المسلم والكافر.
  قلنا: أما كونه قد ترك أبغض الأشياء إلى الله تعالى وهو الكفر فمسلم، فَيَسْلَم من عذاب الكفر، وهو العذاب الذي لا أشد منه، وأما كونه فعل أحب الأشياء إليه تعالى وهو الإيمان فغير مسلم؛ لأن الإيمان هو: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات، فمن لم يأت بالإيمان عوقب على تركه فقط إن كان مسلماً، وإن كان كافراً عوقب على الكفر وعلى ترك الإيمان، فافترق الحال بين المسلم الفاسق وبين الكافر؛ لأن الفاسق يعذب عذاباً شديداً دائماً بحسب ما فعل من ترك واجب أو ارتكاب محرم، والكافر يعذب العذاب الأشد الدائم بكفره، وبما ارتكبه من المحرمات، وبتركه الواجبات المشروطة بالإسلام.
  شبهة مركبة من العقل ومن السمع: وهي أنهم قالوا: قد ثبت بإجماع المسلمين أن الله تعالى عظيم العفو، حسن التجاوز، واسع المغفرة، واسع الرحمة، أرحم الراحمين، أكرم الأكرمين، وأكثر الله سبحانه وتعالى من وصف نفسه ø بذلك، والقرآن مملوء من نحو ذلك، وأنه رؤوف رحيم كريم محسن، وإذا كان لا يعفو عن ذنب إلا بتوبة، ولا يفعل ثواباً لأحد إلا بعمل لم يكن لتلك الأوصاف مصداق، بل التمدح بها تمدح بما لا مقتضى له؛ لأن التوبة والعمل الصالح هما المقتضيان للإثابة والرحمة والمغفرة، فلا يكون له تعالى حينئذ تكرم ولا منة، وأين حسن التجاوز وسعة الرحمة والحال ما ذكر؟ فلا مدحة إلا بفضل، قال السيد الحسن الجلال |: فلا بد لكم بأحد أطراف ثلاثة: إما أن يكون التمدح بما لا فضل فيه مستحسناً(١) في العقول، وخلافه معلوم ضرورة، أو يقع الغفران بالتوبة تفضلاً، أو بكونه يقع بمجرد العفو بلا توبة، والوجهان أيضاً باطلان على أصلكم، فكيف التخلص من هذا المضيق الذي هو
(١) في المخطوط: مستحسن.