[الأدلة على أن الإيمان: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات]:
  فيلزمهم أن الذمي مؤمن(١) كاليهودي والنصراني؛ لأن كلاً منهما مصدق بالله وببعض أنبيائه، ولا قائل به أصلاً.
  قلت: ولعل هذا إنما هو على قول من يقول منهم: إن الإيمان لم ينقل عن معناه اللغوي، وهو مجرد التصديق أي تصديق مَّا، كقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}[يوسف ١٧]، {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}[التوبة ٦١]، وإن الشارع أبقى حقيقة الإيمان الشرعي على معناه اللغوي، كالبيع والإجارة ونحوهما مما لم يصر معناه شرعاً مخالفاً لمعناه لغة. وهو معلوم البطلان، وإلا لزم أن جميع الكفار والمنافقين مؤمنون؛ إذ ما من أحد منهم إلا وهو مصدق بأي واقع مما يعلمه أو خوطب به، وقد مر أن المشهور من مذهب الأشعرية أن الإيمان باق في معناه اللغوي وهو التصديق لم ينقل عنه، لكنهم يقصرونه على التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء به محمد ÷ ضرورة، فإن كان هذا القصر باستعمال الشارع لزمهم أن قد نقل الإيمان عن معناه اللغوي وهو التصديق المطلق إلى تصديق خاص؛ إذ ذلك حقيقة النقل، وإن كان لاستعمال(٢) الشارع فهي حقيقة عرفية خاصة لهم لا يوافقها الشرع، فيعلم بطلانها لما سنقرره إن شاء الله تعالى من الأدلة القطعية والبراهين النقلية أن الإيمان وإن كان في أصل اللغة لمجرد التصديق فقد صار بالنقل الشرعي خاصاً في الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات. هذا، وقد علم مما عدا الثلاثة الأقوال الأولة أن فعل الواجبات وترك جميع المحرمات خارجان عن الإيمان، وأن الإيمان يثبت من دون ذلك.
[الأدلة على أن الإيمان: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات]:
  إذا عرفت ذلك فالذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وبطلان ما ذهب إليه
(١) في المخطوط: مؤمنا.
(٢) لعلها: لاستعمال أهل الشرع.