[الأدلة على أن الإيمان: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات]:
  المخالف العقل والنقل:
  أما العقل فمن وجوه:
  أحدها: أن هذا الاسم أعني اسم مؤمن أو اسم الإيمان اسم مدح بلا ريب، ولو كان كما زعموا أنه لم يكن يفيد الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات لما أفاد المدح.
  وقد اعترض هذا الجلال: أن المدح من حيثية التصديق بالله تعالى وما جاء به محمد ÷، لا من حيثية تضمن الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات.
  والجواب: أن التصديق بالله وما جاء به محمد ÷ من دون امتثال أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه لا يكفي في استحقاق المدح؛ بدليل أن من عرف صحة نبوة محمد ÷ ولم يمتثل ما جاء به، بل عانده ÷ وجاهره بالعصيان استحق الذم والنكال؛ لأن مجرد معرفة ذات الشيء لا يقتضي المدح حتى يعمل بمقتضى المعرفة، وينقاد لما يجب من حقها، كمن عرف السلطان وأقر له بالملك ولم يطع أوامره، بل عانده وتمرد عليه وأساء إليه أو إلى أحد من رعيته، ولم يرتدع عن شيء مما يؤذيه، فإنه بلا شك عدو له يستحق الذم والنكال، ولا يستحق في مقابل تلك المعرفة مدحاً ولا إجلالاً(١).
  الوجه الثاني: أن الإيمان لو لم يكن بمعنى الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات لصح أن يجامعه اسم الفاسق والفاجر والطاغي حيث يكون المصدق بالله تعالى وما جاء به محمد ÷ مقترفاً للفسق والفجور والطغيان، وهذا وإن التزمه الخصم فهو باطل قطعاً؛ لقوله تعالى: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ}[الحجرات ١١]، فأفادت الآية أن الفسوق لا يجامع الإيمان، بل إذا طرأ الفسق رفع الإيمان وصار بعده في الوجود لا يجامعه البتة، ويؤيده قوله ÷:
(١) في المخطوط: مدح ولا إجلال.