الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(ما هو الإيمان؟):

صفحة 462 - الجزء 2

  لارتفاع درجته وسمو مرتبته كما في هذه الآية، وإما لبعد مكانه، ومثال ذلك ظاهر، ثم قوله: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ} يفيد الحصر أن لا مؤمن سواهم؛ إذ لو كان غيرهم مؤمناً لقال: «هم مؤمنون» أو «أولئك مؤمنون»، ثم السر الباهر في الإيماء الجلي الظاهر بقوله: {حَقًّا} إشارة وإيماء إلى أنه سيختلف في حقيقة الإيمان ومن المؤمن على أقوال شتى، ومذاهب لا تتأتى، وإنما الحق فيها هو هذا لا غيره والمؤمنون. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ١٥}⁣[الحجرات].

  وقد اعترض استدلال الأصحاب بهذه الآية السيد هاشم بن يحيى الشامي بأنه من باب: هو الرجل كل الرجل، أي: أنه المقيد به من بين الرجال، لا يراد أن غيره لا يسمى رجلاً، والمراد بأن هؤلاء هم المعتد بإيمانهم، والمخصوصون بفضل الإيمان ورتبته العلية؛ إذ لم يسق مثل هذه الآية لبيان مدلول اللفظ حتى يكون حاصلها: أولئك هم المسمون بالمؤمنين، كما لا يخفى، وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.

  وبالجملة فمثل هذه الآيات لا يفهم فيها من لفظ المؤمن من مُنح الذوق السليم غير معناها اللغوي، ألا ترى إلى قوله: {حَقًّا} فهذه الآيات ونحوها من قبيل {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}⁣[البقرة ١٠٢]، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}⁣[الأنفال ١٧]، وهو باب واسع في اللغة سميت به موارد الكتاب والسنة. انتهى. وقد نقلنا كلامه بلفظه ليعلم المطلع تلجلج الباطل عند منطق الحق المبين، وتبلج وجه الهدى الحاصل عند انكشاف رونق الضلال الأفين.

  وأنت خبير أيها المسترشد أنه لا محصول لهذا الكلام إلا صرف الآيات عن ظاهرها، بل عن صرائحها، وهو إفادة الحصر الحقيقي، وإرجاعه إلى الحصر