(ما هو الإيمان؟):
  أو ذم أو مدح أو نحو ذلك مما ذكروه، من دون غالب، وإن سلم فلا مانع من حمل الآية على التوضيح وإن كان التخصيص أكثر في الصفة؛ إذ لا يجب الحمل على الغالب عند الالتباس، أو قام دليل على منع غيره، فهلم الدليل على منع غيره؟
  لا يقال: بل الدليل عليكم في مجيء الآية للتخصيص، وإنما(١) أريد بها التوضيح.
  لأنا نقول: قد قامت أدلة أُخر أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً شرعاً، وإنما المؤمن في الشرع: هو من فعل الواجبات واجتنب المحرمات، فيجب حمل هذه الآية على ما يوافق ذلك، فيكون تقدير الآية: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الإيمان الشرعي، وهم {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} الخ.
  قالوا: يلزم أن لا يكون مؤمناً من لم يخشع في الصلاة، والمعلوم خلافه.
  قلنا: الخشوع: هو سكون القلب وسكون الجوارح، فإذا لم تسكن جوارحه وفَعَل ما ينافي الصلاة كانت صلاته كلا صلاة، ثم إذا كان ذلك له خُلقاً وعادة كان في حكم قاطع الصلاة، فملتزم أن ليس بمؤمن.
  وقوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} مع قوله تعالى في المحاربين: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة ٣٣]، والمعذب مخزى؛ لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}[آل عمران ١٩٢]، فعلم من الآية الأولى أن المؤمن ليس بمخزى، ومن الآخرتين أن الفاسق مخزى، وهو يستلزم أن الفاسق ليس بمؤمن، وهو المطلوب.
  وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء ٦٥]، نزلت في رجلين من الصحابة اختصموا في ماء لهما، أحدهما الزبير والآخر حاطب بن أبي بلتعة،
(١) «وأنه ما» ظ.