الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(ما هو الإيمان؟):

صفحة 466 - الجزء 2

  فنفى سبحانه عنهم الإيمان، وأكد نفيه بالقسم إن لم يحكما رسول الله ÷ ويسلما لما حكم به، مع كونهما مصدقين بالله ورسوله وما جاء به، وهذه الآية من أقوى الأدلة على ذلك.

  قالوا: قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}⁣[التغابن ٩]، وقال تعالى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}⁣[مريم ٦٠]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}⁣[البروج ١١]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}⁣[النساء ١٢٤]، ونحو ذلك من الآيات التي ذكر فيها الإيمان وعطفت الأعمال الصالحات عليه، أو ذكرت فيها الأعمال الصالحات وعطف الإيمان عليها، أو جعل شرطاً في قبولها، وذلك يقتضي المغايرة؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، ولأن الشرط غير المشروط فيه.

  قلنا: قد قامت الأدلة القاطعة بما مر وبما سيأتي أن إتيان الأعمال الصالحات وترك المحرمات داخلان في ماهية الإيمان وحقيقته شرعاً، فيجب حمل هذه الآيات وما شابهها مما عطف فيها الإيمان على الأعمال أو العكس، أو جعل أحدهما شرطاً في الآخر على وجه لا ينافي ما قامت الأدلة القاطعة عليه، وجرى عليه مذهب السلف الصالح برواية الخصم التي مر ذكرها، وذلك أنا نقول: لما كان المنافقون في أيام رسول الله ÷ كثيرين، وهم كما حكى الله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ٨ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ..}⁣[البقرة]، فكان المنافقون يخادعون بأن يظهروا الإيمان تارة بالقول مع مخالفة القلب وارتكاب الأعمال الخبيثة، وتارة بإظهار الأعمال الصالحات نفاقاً ورياءً مع مخالفة القلب وارتكاب القبائح في البطنة، فأنزل الله تعالى هذه الآيات على مقتضى الحال من جعل أحد ركني الإيمان غير مُجْدٍ ولا عاصم من غضب الله تعالى وعذابه من دون الركن الآخر، وسواء أريد بالإيمان في هذه الآيات الإيمان اللغوي وهو التصديق ثم عطفت الأعمال الصالحات عليه، فيكون من عطف المتغاير، أو أريد به الإيمان