الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه

صفحة 509 - الجزء 2

  عن غيره من الملل الكفرية، ناطقاً بالشهادتين، باذلاً وسعه وقاطعاً عمره في التحري على فعل الواجبات واجتناب المحرمات وطلب العلوم وإرشاد العوام فنكل من هذا شأنه إلى الله تعالى، ونجري عليه حكم قوله ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، وقد حكى القرشي في المنهاج والإمام المهدي # في الغايات مسائل ووجوهاً عديدة في تكفير المجبرة، وكلها أو معظمها راجع إلى التكفير بالقياس أو اللازم، وقد مر الكلام أن التكفير بهما فيه ما فيه مما لا يثمر القطع في بعض الأحوال والصور، وقد أشرنا إلى معظمها في هذا البحث، فلا نطيل الكلام في تعدادها، والاحتياج إلى جواب كل منها مع هذا الكلام الإجمالي الإقناعي.

  ويدل على أن من قد تمسك بدين الإسلام ونطق بالشهادتين وتبرأ من سائر الأديان لا يجوز تكفيره وإن قال قولاً يلزم منه الكفر ما روي عنه ÷: «أنه مر هو وجماعة من أصحابه على قوم من الكفار عاكفون على شجرة يعظمونها، ويعلقون عليها الحلي، فانصرف أناس من أصحابه ÷ إليهم فشاهدوهم وأعجبهم ما رأوا من تجمعهم حولها ومن الرقص ونحوه، فسألوهم عن ذلك، فقالوا: هذه الشجرة نسميها ذات أَنْيَاط، فلما رجعوا إلى رسول الله ÷ قالوا: يا رسول الله، يا محمد، اجعل لنا ذات أنياط، فقال ÷: أتقولون كما قال أصحاب موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إلى قوله: قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين».

  فدل على أن من قد التزم ديناً وملة لا يصح الحكم عليه بخروجه عنه لما يقوله من الأقوال أو يفعله من الأفعال التي لا تجوز وإن كانت تؤول إلى نفي ذلك الدين، حتى يلتزم الخروج عنه أو يفعل ما دل الدليل القطعي أنه خروج عنه، كقتل النبي وسبه واستحلال ما جاء به ضرورة؛ لذلك لم يحكم ÷