فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  بمعنى أنه خلق لنفسه القدرة والعلم حتى صار لأجلهما قادراً عالماً - باطلٌ قطعاً، بل مستحيل؛ لاستلزامه الحدوث، وأنه قبل ذلك بالضد من ذلك، تعالى الله عما هنالك، وفي وصفنا زيداً بأنه قادر وعالم باطلٌ أيضاً؛ إذ لم يكن زيد فعل لنفسه القدرة والعلم حتى يشتق له اسم فاعل منهما، بل الله الذي خلق له القدرةَ والعلمَ الضروري ابتداءً، والاستدلالي قيل: متولد مِن فعل العبد بالنظر الصحيح، ويمكن أن يقال: يخلقه الله عند النظر الصحيح كما يخلقه عند تواتر الخبر بالمخبَر.
  والجواب والله الموفق للصواب: أن هذا الإشكال المركب من قواعد الاشتقاقات اللغوية لا يلتفت إليه مع معارضته للأدلة العقلية القطعية واعتضادها بالأدلة السمعية؛ لأن الاشتقاق تارةً يكون لمن فَعَلَ الفعل كـ «قام» و «ضرب»، وتارةً لمن قام به المعنى كـ «مرِض» و «مات»، وتارة لمن لم يفعل ولا قام به المعنى كـ «أنبت الربيع البقل»، وتارةً يسند الفعل إلى السبب، وتارةً إلى الْمُسَبَّبِ، وتارةً إلى المكان، وتارةً إلى الزمان، ونحو ذلك من الاشتقاقات والإسنادات الواقعة على وجه الحقيقة أو المجاز، وقد علمنا باستقراء اللغة وصَدَّقَ ذلك العقلُ بأن القادر مَن صح منه الفعل مع قطع النظر هل تلك الصحة لأجل ذاته بِلاَ قدرة فعلها لنفسه أم بقدرة فعلها له غيره أم لماذا كانت تلك الصحة؟ وكذلك في عالم، ومع ورود السمع بتسمية الله تعالى نفسَه وغيرَهُ قادراً عالماً من دون قرينة تدل على المجاز في الطرفين، فعلمنا أنهما حقيقة في قولنا: الله تعالى قادر عالم، وفي قولنا: زيد قادر عالم، ذكر معنى بعض ذلك في شرح الأساس عن بعضهم، وقال: إنه اعْتُرِضَ به على بعض الأئمة $ أنه يلزم منه الجبر؛ لأن زيدًا في الحقيقة مُقَدرٌ ومعلم، وليس بقادر وعالم، وأجاب عليه بأنه يسمى قادراً عالماً مجازاً بإذن الشرع؛ وأن المجاز إذا اشتهر لا يحتاج إلى القرينة. وهذا الإلزام والجواب فيه ما فيه كما ترى، وإنما الإشكال فيه والإلزام الذي يعترض به عليه هو ما صدرناه في أول البحث، وجوابه ما ذكرناه، ولم يجعلِ البحث في شرح الأساس إلا في هذا الطرف الأخير، وهو وارد