الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر

صفحة 115 - الجزء 1

  في الطرفين، والجواب مشتمل عليهما، والله أعلم.

  نعم، فإذا قيل لك: أربك قادر (أم غير قادر؟ فقل: بل قادر) على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذا مذهب جميع من أقرَّ بالصانع المختار، إلا أنه يلزم المطرفية ألَّا يكون قادراً؛ لأنهم لَمَّا أسندوا الفعل على اختلافه وأنواعه إلى الأصول الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب مع أنها عندهم ليست قادرة - لَزِمهم⁣(⁣١) إبطال الدليل الدال على أن الله سبحانه وتعالى قادر؛ حيث جَوَّزُوا فعلاً من غير قادر. لا يقال: قد قلتم: إن العلم بأن الفعل لا يصح إلا من قادر ضرورة، ولا يحتاج إلى الاستدلال؛ فلا يرد عليهم هذا الإلزام؛ لأنا نقول: إن العلم بذلك ضروري، لكنهم نقضوه وباهتوا بإسنادِهم التأثيرَ والإحياءَ والإماتةَ إلى تلك الأصول الأربعة، فَأَجْرَيْنَا الكلام معهم على التنزل؛ ليُعرف بطلان ما اعتقدوه من التأثير لها، وهذا واضح.

  قال # في الاستدلال على أن الله تعالى قادر جرياً على قاعدة بعض أئمتنا أنَّ العلم بذلك بعد إثبات الصانع يحتاج إلى استدلال كما مر في حكاية القولين: (لأنه أوجد هذه الأفعال التي هي العالَم) والعَالَم في اصطلاح المتكلمين: اسم لجميع ما عدا الله سبحانه، قيل: إنه مشتق من العلم، فإمَّا لما⁣(⁣٢) به يُعْلَم الباري تعالى فيتناول كل ما سواه، وإما لمن يقوم به العلم فيتناول الملائكة والثقلين، وعليه جاء صيغة جمع العقلاء في قوله تعالى: {الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} (والفعل لا يصح إلا من قادر له) عَدَّاه باللام وهو مما يتعدى بـ «على» لأنه ضمنه معنى مالك ليشير إلى نكتة أخرى، وهي مع كون الله تعالى قادراً على كل شيء فهو مَالِكٌ لكل شيء {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}⁣[الحديد ٢].


(١) جواب «لَمَّا».

(٢) متعلق بـ «مشتق».