فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  دليل لهم: أنا وجدنا في الشاهد حيين كزيد وعمرو، الأولُ حاول حملاً ثقيلاً فحمله، والآخر حاوله فتعذر عليه، فيجب أن يمتاز الأول عن الآخر بمزية لولاها لَمَا صَحَّ منه ما تعذر على الآخر، وقد عَبَّرَ أهلُ اللغة عن تلك الْمَزِيَّةِ بأن سموا الأول قادراً، دون الآخر فسَمَّوهُ عاجزاً، والله تعالى قد صح منه ما تعذر على غيره، وهو العالَم؛ فيجب أن يكون قادراً. وهذان الدليلان كما ترى يلحقان بالعلم الضروري، وإنما تحريرُهما على هذه الكيفية زيادة في الإيضاح، فلا ينافي ما مر عن جمهور أئمتنا $ أن العلم بذلك بعد إثبات الصانع تعالى ضروري. ويمكن المناقشة على هذين الدليلين بأن غايةَ مفادهما صحةُ أن يطلق على الله تعالى لفظة «قادر»، لا أنهما المفيدان ثبوت معنى القادرية له تعالى. دليله أن الصغرى في هذين الدليلين هي عين مسألة إثبات الصانع، وهي في الأول قوله: «لأنه أوجد هذا العالم»، وقولهم في الثاني: «والله تعالى قد صح منه ما تعذر على غيره وهو العالَم»، والكبرى فيهما هي عين النتيجة، وهي قوله في الأول: «والفعل لا يصح إلا من قادر»، وقولهم في الثاني: «ومن صح منه ما تعذر على غيره فهو قادر»، فلم يكن في الاستدلال تأسيس فائدة معنوية، بل تأكيدٌ لقضية ضرورية، وتمشية لقاعدة لفظية على مسلك اللغة العربية، فصار حال هذين الدليلين في إفادتهما التأكيد دون التأسيس كحال قولنا: «العشرة زوج؛ لأنها منقسمة بمُستو(١)»، فإن قولنا: «لأنها منقسمة بمستو» ليس دليلاً على صحة قولنا: «العشرة زوج»؛ لأن كون العشرة زوجًا معلوم ضرورة، يعلم ذلك جميع العقلاء حتى النساء والصبيان وبُلْه الرجال، ولو كانت دليلها لَلَزِمَ ألَّا يعلم أحدٌ أن العشرة زوج إلا مَن علم أنها منقسمة بمستوٍ، مع أن النساء والصبيان ونحوهم يعلمون ذلك من دون أن يتوقف علمهم بذلك على العلم
(١) «بمتساويين» نخ.