فصل: في الكلام في الفرق بين فعل الله وفعل العبد
  المتوالدات والمسببات، لكن إلقاء البذر في الطين ليس سبباً للإنبات في التحقيق؛ لأن فاعل السبب فاعل المسبب على ما مر تحقيقه في باب العدل، بل هو شرط في حصول الإنبات، وهو فعل العبد، وكذلك التسافد، والسبب الحقيقي هو إيجاد ذات البذر وذات المني والإلقاء، والتسافد شرط لا غير؛ إذ حقيقة الشرط ما يتوقف تأثير غيره عليه، والسبب ذات موجبة لِذات أخرى، وكذلك سائر ما يخلقه الله تعالى عند أن يفعل العبد ما هو شرط في حصوله مما لا يدخل تحت قدرته، كالإماتة بالسم، والمرض بالمُضِر، والشفاء بالدواء، والإحراق بالنار، ونحو أصوات البنادق والمدافع وتأثير البارود ونحوه من تفليق الحجارة والرمي بالرصاص عند أن يفعل العبد ما يتوقف حصول ذلك عليه، فإن فعل العبد ليس سبباً في ذلك، وإنما هو شرط، والله هو الفاعل لذلك الأثر المتوقف على فعل العبد الذي هو إلقاء السم ونحوه إلى من وقعت عليه الإماتة أو الضرر أو الشفاء، وإلقاء الذات التي أحرقت إلى النار، ونحو ذلك مما هو شرط لما يخلقه الله تعالى بمجرى العادة، إما مطردة كالإماتة بالسم والإحراق بالنار، أو لا كالمرض بالمضر والشفاء بالدواء، كل ذلك على حسب حكمته ø ومصالح خلقه وتدبير معايشهم ومرافقهم، وهو الحكيم العليم.
  فإن قيل: إذا كانت الإماتة بالسم والإحراق بالنار ونحو ذلك فعل الله تعالى، فلم أوجبتم الضمان والقصاص على الملقي ونحوه وليس هو الفاعل إلا للشرط فقط، والشرط ليس سبباً للمشروط حتى يقال: فاعل السبب فاعل المسبب، وقد قلتم: كل ما وقف على قصد العبد واختياره تحقيقاً أو تقديراً فهو فعله، وهذه الأفعال قد وقفت على قصد العبد واختياره تحقيقاً، بحيث لو لم يفعل ما عنده حدثت لما كان لها وجود؟
  قلنا: أما الضمان والقصاص فذلك حكم شرعي جعله الله سبحانه وتعالى مصلحة لخلقه، وسداً للذريعة، وزجراً لهم عن أن يفعلوا ما عنده يوجد الله