فصل: في الكلام في الفرق بين فعل الله وفعل العبد
  تعالى تلك التأثيرات لا محالة.
  لا يقال: فهلا ترك سبحانه فعل تلك التأثيرات عند أن يفعل العبد ما تتوقف عليه.
  لأنا نقول: إن في إيجاد تلك التأثيرات حكمة ومصلحة ومنافع للخلق لنحت الجبال، وتداوي الأمراض، وإهلاك الأعداء، إلى غير ذلك، ولما كان الإضرار بالغير وإهلاكه منه ما هو قبيح كالعدوان، ومنه ما هو حسن كالقصاص والمدافعة عن النفس ونحوه جعل الضمان والقصاص فيما هو قبيح على المتعدي بما هو كالسبب زجراً عن ارتكاب الظلم، وحقناً للدماء، ومصلحة من مصالح الخلق.
  ولا يقال: فهلا ترك سبحانه ما علم أن الفاعل لما هو كالمسبب له متعد فيه؛ لأنه كيف يخلقه ويجعل عليه ضمانة؟
  لأنا نقول: لو كان كذلك لبلغ الحال إلى حد الإلجاء، وإلى القطع بأن هذا محسن محق وهذا مجرم مبطل، ويؤدي إلى عدم التمكن من فعل ما نهى عنه أو أمر به أو عما هو كالسبب فيه، وكل ذلك لا يصح؛ لأنه ينافي التكليف، فاقتضت الحكمة طرد القاعدة في بعض وعدم طردها في بعض كما مثل من دون تعليق ذلك بمبطل أو محق، وجعل النهي عن العدوان والضمان على المتعدي زاجراً وذائداً لعباده عن ظلم بعضهم بعضاً.
  وأما قول السائل: وهذه الأفعال قد وقفت على قصد العبد واختياره فلا يسلم، بل الذي وقف على قصده واختياره هو ما فعله من إلقاء السم، والإلقاء إلى النار، ومناولة المريض الدواء أو المضر، دون التأثيرات المتوقفة على ذلك من الإماتة والإحراق والشفاء والضرر فليست واقفة على قصده واختياره وإن وجدت عقيب فعله وإن كان مريداً لها؛ لأن الإنسان قد يريد فعل غيره، فتأمل، فالأمر واضح لمن تأمل.