[الموت والفناء والإعادة]
(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  اعلم أرشدك الله وإيانا أن الدنيا لما لم تكن دار بقاء ودوام ونعيم وراحة ومُقَام، وأن ذلك ليس إلا في الآخرة، كما قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت ٦٤]، وكانت حَرِيَّة بالزوال وشِيْكَةً بالانتقال، حيث إنها دار بلوى وافتتان وتعبد وامتحان، وكانت عند الله سبحانه وتعالى كما ورد في الأثر عن سيد البشر ÷: «لا تساوي جناح بعوضة» اقتضت الحكمة الإلهية وكلمة الفصل الربانية أن لا بد من ثلاثة أمور يتوصل بها إلى الدار الآخرة الباقية الدائمة، ويفصل بها بين الدارين؛ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم ٣١]، الملائمة، وهي الموت لكل حيوان، فلا يبقى إلا الحي الدائم الذي لا يموت، والفناء للعالم بأجمعه، والإعادة بعد ذلك لكل من كان حياً على الصحيح، أو لمن يستحق العوض على قول. ويمكن أن لا فرق بينه وبين الذي قبله في المعنى؛ إذ ما من حيوان إلا ويؤلم بالموت فيستحق العوض، أو لمن يستحق الثواب أو العقاب على قول، ولما كانت هذه الثلاثة هي المبادئ وأول أحوال الآخرة قدمها في الذكر.
[الموت والفناء والإعادة]:
  فقال #: (ثم قل أيها الطالب للنجاة: وأدين الله بأنه لابد من الموت والفناء والإعادة للحساب والجزاء) أما الموت فقد مر الكلام عليه هل هو عرض وجودي أم أمر عدمي، وهو من أعظم الآيات الدالات على ثبوت الصانع ø وتفرده بالقدم والدوام، وهو من الأمور المعلومة بالاضطرار التي لا يختلف فيها عاقلان من ملحد أو موحد، ومثبت للفناء والإعادة أو جاحد.
  ولما كانت النشأة الأولى التي هي الحياة الدنيا وكانت تشتمل على خلق المكلفين ورزقهم في الحياة الدنيا وإماتتهم، وكان ذلك مما لا ينكره مشركو