[الموت والفناء والإعادة]
  قريش وغيرهم ممن أقر بالصانع تعالى، وإنما ينكرون النشأة الأخرى التي هي الإعادة والحياة الأخروية الدائمة احتج سبحانه وتعالى عليهم في إثباتها بالقياس العقلي الذي لا سبيل لهم إلى إنكاره ودفعه، بأن أقاس لهم إمكان وثبوت ما أنكروه على إمكان وثبوت ما علموه، فقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم ٤٠]، فذكر الثلاثة الأحوال الأُول التي لا يناكرون شيئاً منها، وهي خلقهم ورزقهم وإماتتهم، وعطف عليها بالحالة الرابعة التي ينكرونها؛ ليعلموا إمكانها وثبوتها وصحة الإخبار بها؛ لأنهم إذا قد علموا الثلاثة الأحوال لم يكن وجه لإنكار الرابعة إلا العناد والجدال؛ لأن الكل داخل في دائرة الإمكان والاقتدار، وليس الإحياء للإعادة والجزاء بعد الخلق من العدم المحض والرزق والإماتة بأبعد منها، بل الكل على الله يسير، والعقل يقضي بأن إعادة ما قد أوجده الفاعل ثم أعدمه أو أخربه أيسر وأهون من إيجاده من العدم المحض؛ ولهذا خاطب الله الخلق على حسب ما يعقلونه وإن كانت الأشياء كلها عليه يسيرة هوينة، ليس فيها ما هو أيسر وأهون، ولا ما هو أصعب وأعظم، لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الروم ٢٧].
  وأما فناء العالم: فقد اختلف المتكلمون فيما به يعلم هل عقلاً وسمعاً أم سمعاً فقط، وكذلك اختلفوا في كيفيته بعد إجماع الأمة على وقوعه على الجملة، وهو معلوم من الدين ضرورة، قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ}[القصص ٨٨]، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ٢٧}[الرحمن]، وقال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ}[الحديد: ٣]، ولا يكون آخراً إلا إذا قد فني كل ما عداه سبحانه.