(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  ولا يكون آخراً إلا إذا عدم كل ما عداه، وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ}، وفسروا الهلاك بالإعدام، وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم ٢٧]، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء ١٠٤]، ولا إعادة إلا عن إعدام، ولأنه شبه الإعادة بالابتداء، فكما أن الابتداء عن عدم محض كذلك الإعادة، ولقول أمير المؤمنين # في النهج: فهو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وأنه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، إلى قوله: ولا شيء إلا الله الواحد القهار، إلى غير ذلك من كلامه #.
  ومن العقل: ما يُشَاهد من ذهاب السحاب والمصباح ونحوهما مما يعدم عدماً محضاً.
  وحجة القائلين: إنما هو تمزيق وتبديد وتفريق قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق ١]، {إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة ١]، {فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}[الرحمن ٣٧]، {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ٨ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ٩}[المعارج]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ١ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ٢} الآيات إلى قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}[التكوير]، {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} الآيات [الانفطار ١]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ١٠٥ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ١٠٦ لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ١٠٧}[طه]، {إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجًّا ٤ وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا ٥ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ٦}[الواقعة]، {إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}[الفجر ٢١]، {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ٦ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ٧}[النازعات] إلى غير ذلك من الآيات الدالات على وقوع التمزيق والتبديد والتفريق، وليس في شيء منها ما يدل على العدم المحض.