(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  ومن العقل: ما يشاهد من مصير الميت تراباً، والزرع هشيماً، والأشجار والثمار تصير رماداً وتراباً، وكثيراً ما مثل الله تعالى الدنيا بالزرع الذي أذهبته الرياح، وفي الحديث: «أيتها العظام البالية والأجسام النخرة» الخبر، ولأنه لو عدمت عدما محضاً لكان الجزاء على ذات لم تطع ولم تعص.
  وأقول: أما التمزيق والتبديد والتفريق فقد دل عليه السمع بما لا يسع أحداً(١) إنكاره كما قد سمعت من الآيات، وهي صرائح لا يمكن تأويل شيء منها، فيجب الإيمان والتصديق به. وأما العدم المحض فلا دلالة عليه قطعية؛ لأن ما ذكر من الآيات يحتمل التأويل، فإن الهلاك كما يأتي بمعنى العدم المحض فهو يأتي بمعنى التمزيق والتفريق وإماتة الحي، قال تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[الحج ٤٥] {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} وقوله: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، لَيْسَ نصاً في محل النزاع؛ لأن كونه الآخِر وأنه لا يبقى إلا وجهه بمعنى أن كل حي سواه سبحانه وتعالى يموت، وكل جسم يتغير ويتبدل ويتمزق ويتزاول، وهو حي باق لا يموت ولا يتحول ولا يتبدل، ولا يسلم أن الإعادة لا تكون إلا عن عدم محض، بل قد تكون عن عدم محض وقد تكون لا عن عدم محض كما في إهدام المسجد أو الدار وإعادة بنائهما. وقول الوصي ~ فهو وإن كان عندنا حجة غير أنه غير متواتر، وإن سلم فهو معارض بما هو أقوى وأصرح في الدلالة على المطلوب، على أنه ليس فيه ما يدل على نفي التمزيق والتفريق، وكيف وهو صرائح آيات الكتاب العزيز، ولأنه محتمل للتأويل؛ لأن قوله #: حتى يصير موجودها كمفقودها، لم يقل فيه: حتى يصير موجودها مفقوداً أو معدوماً فيصير نصاً لا يحتمل التأويل، بل قال:
(١) في المخطوط: أحد.