(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  كمفقودها، يعني في بطلان حياته وحركته والانتفاع به مع كونه باقياً، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[مريم ٩٨]. وقوله #: «وأنه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه» أي: وحده حياً لا شيء معه حي. وقوله: «كما كان قبل ابتدائها كذلك» وجه التشبيه راجع إلى أنه حي وحده غير متبدل ولا متحول في المشبه، وإن كان في المشبه به يعم العدم وغيره وظاهر التشبيه العموم فالظاهر لا يفيد علماً لاحتماله التأويل، ولوجود القرينة اللفظية الصارفة عن عدم إرادة العموم في المشبه، وهي قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} الآيات، فدلت على أن ليس المراد تشبيه حالة الفناء بحالة الابتداء من كل وجه، وإلا لزم أن تكون إعادة الخلق على جهة التوالد والتناسل، وهو معلوم البطلان، فلم يبق إلا أن التشبيه راجع إلى أنه تعالى حي وحده غير متبدل ولا متحول. وقوله #: «عدمت هنالك الآجال والأوقات وزالت السنون والساعات» مسلم أن آجال الدنيا وأوقاتها وساعاتها وسِنِيْها قد عدمت وخلفها حين آخر، وهو حين تطلع الشمس من مغربها، وعند أن ينفخ في الصور ويصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، نسأل الله السلامة، وقوله #: «ولا شيء إلا الله الواحد القهار» لم يقل: ولا شيء موجود، فالمعنى: ولا شيء حي لا يتغير ولا يتبدل إلا الله الواحد القهار.
  فعرفت أنه لا دلالة قاطعة على وقوع العدم المحض، لكنا لا نذهب إلى القول بإحالته، بل نجوزه، فيمكن أن يكون قبل الانشقاق ونحوه ويمكن بعده، والله أعلم. غير أنه ينظر ما وجه حسنه لو وقع؟
  فإن قيل: ليعلم الفرق بين الدارين، وأن ما وصل إلى المكلفين من عقاب وثواب هو جزاء على ما أسلفوا، ويعلم بذلك ثبوت الصانع ø وتوحيده وعدله عند من أنكر ذلك في الدنيا.
  قيل عليه: هذا قد أغنى عنه غيره، وهو حشر المكلفين ومشاهدتهم القيامة