[الإعادة بعد الفناء]
  وأهوالها، ومشاهدة الجنة والنار، ومصير كل إلى ما صار إليه، ولأن الجاحدين لا معلومية لديهم أن قد تخلل الدارين عدم محض، فإن أخبروا بذلك فليس الخبر كالعيان لما شاهدوا، اللهم إلا أن يقال: إن فيه أي: في الإعدام المحض لطفاً(١) لبعض من آمن في الدنيا، وأنه لا يمتنع أن يكون بعض المكلفين لطفه في العلم بذلك استقام الكلام، فيكون التمزيق والتبديد في بعض الأحوال، والإعدام المحض في بعض الأحوال؛ إذ لا تنافي على هذا الوجه، والله أعلم.
[الإعادة بعد الفناء]:
  وأما الإعادة بعد الفناء: فلا خلاف أيضاً فيها بين الأمة، وهو قول أهل الكتاب، وهي معلومة من الدين ضرورة على الجملة، والخلاف فيها لكل من نفى الصانع ø وعباد الأصنام وغيرهم. واختلف فيها من جهتين:
  الجهة الأولى: قال أبو هاشم: لا قطع إلا بإعادة من يستحق الثواب أو العقاب وهم المكلفون، وما عداهم من سائر الحيوانات يجوز أن تعوض في الدنيا فلا تعاد. وقال الجمهور: بل يعاد كل من نفخ فيه الروح؛ لقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام ١٣٨]، وقوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير: ٥]، وفي السنة: أن العصفور يأتي يوم القيامة وله دوي تحت العرش يقول: يا رب، سل فلاناً لم قتلني، وأن الله ينتصف للشاة الجماء من ذات القرنين، ولأنه لابد من تأليمها عند الموت فتستحق العوض عليه؛ فلزم إعادتها لأجل تعويضها، قال عباد بن سليمان: ثم تبطل بمصيرها تراباً، ولا دلالة عليه إلا ما يروى في تفسير قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ ٤٠]، من أن الكافر يرى مصيرها تراباً فيقول: يا ليتني كنت تراباً، والله أعلم بالصحة.
(١) في المخطوط: لطف.