الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[أبحاث متفرعة على كونه تعالى قادرا]

صفحة 118 - الجزء 1

  أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}⁣[لقمان ٢٧]، حيث أخبر سبحانه أن هذا البحر الذي تجري فيه السفن على سعته وعمقه لو كان مداداً، ثم كتبت به الكلمات المعبر بها عما يقدرُ عليه الله تعالى ويعلمه - لنفد هذا البحر، ثم إذا أتي ببحر آخر مثله لنفد كذلك، ثم كذلك إلى سبعة أبحر. ولقد وقعت مذاكرة من الحقير لبعض مشائخ عصرنا وطلبت منه تصوير المسألة وتحقيق كيفيتها حتى يعلم يقيناً صحة الخبر مع قطع النظر عن قائله، فلم يجد غير أن اعتمد على مجرد الآية وكونها كلام أصدق القائلين، فقلت له: لا شك أن ذلك دليل كافٍ حيث إنه تعالى لا يقول إلا الحق، وهذا في الحقيقة دليل سمعي، ولكن كيف الدلالة العقلية المخرجة للمسألة إلى حيز الظهور الشاهد بمصداق الآية الكريمة؟ فلم يجد سبيلاً إلى ذلك، فقلت له: ألا تروا أن الله تعالى قد خلق السبع السماوات والأرض وما بينهما، وسيخلق الجنة والنار وغيرهما من مخلوقات الآخرة؟ فقال: نعم، فقلت له: ثم هو سبحانه قادر على أن يخلق مثله ومثله ومثله إلى ما لا ينتهي، فإذا تكلمنا في أجزاء ذلك كله باعتبار الجوهر الفرد، وقلنا: في كل جسم من أجسام السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وكذلك الجنة والنار وسائر المخلوقات التي ستوجد في الدنيا والآخرة، وقلنا في كل جوهر منها - وهو الجزء الذي لا ينقسم -: هو بالنسبة إلى الآخر إما مجتمع معه أو مفترق، وأيما كان فإما من جهة اليمين أو الفوق أو الأمام أو أضدادها، ثم المفترق إما ببعد أو بقرب، فيستلزم الكلام في كمية ما بينهما من الجواهر، فيحتاج كل جوهر إلى كلمات يعبر بها عما بينه وبين الآخر من تلك الأجزاء ومن أي الجهات، وكل منها⁣(⁣١) في نفسه محترك أو ساكن، وماذا


(١) إنما قيل: «منها» ولم يقل: «منهما» أي: من المجتمع مع غيره والمفترق عنه ليعود الضمير إلى الجواهر في قوله: فيستلزم الكلام في كمية ما بينهما من الجواهر. مع إرادة العموم لجنسها أجمع، فيدخل الجوهران المجتمعان والمفترقان مع ما بينهما. (من خطه ¦).