الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الحساب:

صفحة 571 - الجزء 2

  وفي بعضها أبناء ثلاث وثلاثين سنة، وفي بعضها أبناء ثلاثين لا يزيدون، جرداً مرداً مكحلين، وهذه الأحاديث محمولة على أنهم يكونون كذلك عند دخولهم الجنة أو في بعض مواقف الحشر، لا عند الإعادة ونشرهم من القبور؛ للآية: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، والله أعلم.

الحساب:

  وأما الحساب فهو أيضاً لا خلاف فيه بين الأمة، وهو قول الكتابيين، والخلاف فيه لمن ينفي الإعادة، وهو أيضاً معلوم من الدين ضرورة على الجملة، وهو مصدر حاسب يحاسب حساباً، ويأتي بمعنى نفس المحاسبة، وهو المراد هنا، قال في الأساس وشرحه: والحساب يحصل به تعجيل مسرة للسعيد بنشر الحسنات، وتعجيل عقوبة بالحسرة والندامة للشقي بكشف السيئات، مع إظهار عدل الله سبحانه وحكمته وصدق وعده ووعيده، والتناصف من الله سبحانه لعباده، حيث أوقفهم تعالى على ما أسلفوه ولم يؤاخذهم تعالى بقدرته. قوله: «ولم يؤاخذهم بقدرته» ينظر ما معناه؛ لأنه سيؤاخذهم بقدرته وعلمه وعدله، فلعل أن الصواب: ولم يؤاخذهم من دون أن يشعرهم ويعلمهم بأعمالهم، وذلك بأن يحاسبهم عليها حتى يعلموا أنه الحق. وهذا تعليل وتبيين لوجه الحساب، فيحاسبهم الله سبحانه وتعالى على أعمالهم أولاً ثم يجازيهم عليها؛ لأنه لو لم يحاسبهم وأخذهم بالعنف والعذاب والملاطفة والثواب بغتة لما كان ثمَّ معلومية لديهم الاستحقاق المتفرع عليه ظهور عدل الله سبحانه وإنصافه، وإن فرضنا أنه يخلق فيهم علماً ضرورياً بذلك فليس فيه وقوفٌ على حقيقة ما يستحقونه، وعِلْمٌ بأنه جزاء على ما أسلفوه كما في المحاسبة على النقير والقطمير، وقد ورد في الكتاب العزيز والسنة ما يدل على أن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، والعكس في المجرم، نسأل الله السلامة.