(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  وإنما قصدت بإكثار النقل في شأن الحوض لأني سمعت بعض مشائخ العصر يستبعد أن يكون أمير المؤمنين ساقي الخلق من ذلك الحوض يوم القيامة، وكأنه لم يقف على شيء مما ورد من الأحاديث الدالة على ذلك، فقد رأيت ما ظفر به الحقير حال جمع هذه الوريقات، ولعل ما غاب كان أكثر، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}، وقال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ¦ في التحفة العلوية، وقد شرح قصيدته هذه بالروضة الندية، غير أن النسخة غير حاضرة فيكون النقل منها على التحقيق، فعند حضورها إن شاء الله ينقل ما فيها من ذلك، أقول: وحيث وقد وعد الشارح بنقل شرح البيتين فقد نقلت ذلك مع احتياز ما قد سبق للشارح، وألحقت البيتين الذين بعدهما لما فيهما من الإفادة مع شرح معناهما وذلك ما لفظه:
  ثم قل من يسقي الخلق إذا ... وردوا في الحشر حوضاً كوثريا
  هذا عطف على ما عدد من المزايا السابقة، ولقد وقعت ثم هنا في موقع بديع، فهي أشرف من واوات الأصداغ في خدود الخُرَّد الملاح، فإن هذه المزية الشريفة متأخرة داراً واتصافاً وشرفاً. وقوله: «كوثريا» نسبة إلى الكوثر، وهو في الأصل الخير الكثير، ثم صار اسماً للنهر الذي أعطاه الله تعالى رسوله ÷، وقد ثبت فيه الأحاديث الكثيرة يفيد بعضها ما لا يفيد البعض الآخر، فلنذكر بعضاً من ذلك، فنقول:
  أخرج ابن مردويه عن أنس الحديث السابق من رواية المرشد بالله، قال: وفي رواية: «إن ماءه أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وحاله المسك، ورضاضه الدر والياقوت، فيه طيور أعناقها كأعناق الجُزُر، وأن آنيته عدد النجوم»، وفي رواية: «فيه أكواب وآنية وأقداح تَسْعَى إلى من أراد أن يشرب منها، منيرة في وسطه، لها ضوء كأنها الكواكب الدرية، وآنية من الذهب والفضة».