فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم
  الله لا يعلمه؛ مبالغة في انتفائه، فيكون مجازاً يفتقر إلى القرينة، وإلى الإذن السمعي، وعدم إيهام الخطأ، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ}[الرعد ٣٣]، وقوله تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}[يونس ١٨]، {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران ١٤٢]، وروي أن يهوديًّا قال لأمير المؤمنين #: أخبرني عما لا يعلمه الله؟ وعما ليس لله؟ وعما ليس عند الله؟ فقال #: (أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معاشر اليهود: عزير ابن الله، والله لا يعلم له ولداً، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما ليس لله فليس لله شريك)، فقال اليهودي: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
  والأَوْلى التفصيل في جواز إطلاق ذلك وعدمه من المتكلم المخاطِب باعتبار حال المخاطَب، فإن كان خطابه بذلك لا يوقعه(١) في الخطأ بتجويز الجهل عليه تعالى، وفي اتهام المخاطِب باعتقاد ذلك - جاز؛ لِمَا فيه من المبالغة في نفي ذلك الشيء على وجه البلاغة والفصاحة التي تزيد الكلام حسناً وظرافة حتى يقع له انفعال وتأثير في نفس المخاطَب أو السامع، كما في الآيات الكريمة، وإجابة أمير المؤمنين # لذلك السائل، والقرينة عقلية، وورود ذلك دليلُ الإذن السمعي. وإن كان يوقعه في الخطأ المذكور، أو يظن المتكلم نقل ذلك عنه إلى مَن يتهمه بذلك أو يحمله على الوجه الفاسد - فلا يجوز؛ للقاعدة المقررة: أن ما أدى إلى القبيح فهو قبيح.
  الثامن: قال القرشي وغيرُهُ من الزيدية وجمهورُ المعتزلة: المرجعُ بكون العالم عالماً شاهداً وغائباً إلى صفة زائدة على ذات الموصوف، راجعة إلى الجملة في الشاهد، وإلى الحي في الغائب.
(١) أي: المخاطب.