الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم

صفحة 152 - الجزء 1

  العبادات والمعاملات، وكذلك الجهل بما هو وصلة إلى ذلك وآلة له، كعلوم التفسير وعلوم العربية مِن نحو وصرف ولغة وبيان ونحو ذلك، وكذلك الجهل بما فيه منفعة الإنسان أو مضرته من أمور معيشته مما لا بد له في حياته وطيبها وسلامته منه، وما عدا ذلك مما يجهله الإنسان من العلوم لا قبح في الجهل بها ولا نقص إلا في حق العالم بذاته تعالى، وإلا لزم اتصاف الملائكة @ والأنبياء $ والعلماء - رحمهم الله تعالى - بالقبح وصفة النقص؛ إذ لا يعلم كل شيء غير الله ø، ولقوله تعالى مخاطباً لخاتم النبيين وغيره من المخاطبين: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}⁣[الإسراء ٨٥].

  وإنما قلنا: إن العلم حسن بكل حال لأنه إما أن يتعلق به الحكم الشرعي على وجه ترجيح فعله على تركه لزوماً كالواجبات، أو من باب الأولى كالمندوبات، أو على وجه ترجيح الترك على الفعل لزوماً كالمحرمات، أو من باب الأولى كالمكروهات، أو على سبيل استواء حالتي الفعل والترك كالمباحات، فلزم حسن جميع العلوم إلا ما كان منها شاغلاً عما هو أهم منه، كالهندسة، ومساحة الأرض، والكيمياء، والقصص الخارجة عما فيه اعتبار المكلف، وكتعلم الفلسفة المفضية إلى الإلحاد، وتعلم السحر إذا كان القصد العمل به لا توقيه، فقبح ذلك لا لذاته، بل لما عرض من كونه شاغلاً أو نحو ذلك؛ فظهر لك أن العلم في ذاته حسن بكل حال، والجهل قبيح في بعض الأحوال، وهذا بالنسبة إلى الجهل البسيط، وهو عدم العلم بالشيء، أعني أن قبحه في بعض الأحوال وليس بقبيح في بعضها، فأما الجهل المركب فهو قبيح بكل حال، وهو اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه؛ لأن اعتقاده على خلاف ما هو عليه نوع من الكذب والخرص إن كان لا عن شبهة، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}⁣[الإسراء ٣٦].

  فينبغي للمكلف الاشتغال من العلوم بالأهم فالأهم، وهو ما كان متعلقاً بالمصالح الدينية أصولها وفروعها ومعقولها ومسموعها، وتجنب الجهل حيث يقبح