الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى حي

صفحة 157 - الجزء 1

  تعلم صحة ما ذهب إليه جمهور أئمتنا $ مِن أنَّ العلم بهذه المسألة ونحوها من أنه تعالى قادر عالم ضروري بعد العلم بصانع العالم وأنه فاعل مختار؛ لأن القائلين بأن العلم بذلك استدلالي لم يجعلوا الدلالة إلا مجردَ الفعلِ والحدوثِ الذي بهما عُلِمَ الصانع المختار، ولأنا إذا جعلنا العلم بكون الصانع المختار حيًّا علماً ضروريًّا لم يمكن أهل الإلحاد المناقشة والمنازعة في كونه تعالى حيًّا، بخلاف ما إذا جعلناه استدلاليًّا فقد نازعوا في صحة ذلك الاستدلال؛ ليتوصلوا بذلك إلى إبطال أصل المسألة في كونه تعالى حيًّا، وعلى طريقتنا لم يبق محال ووجهٌ للاعتراض على أن الفاعل المختار بعد إقامة دليله في مسألة إثبات الصانع يجبُ أنْ يكون حيًّا، ولا يمكن تطرق الخطأ إليه بشك ولا شبهة يلزم منها أنه ليس بحي إلا لو جوَّزنا وجود فاعل مختار ليس بحي، وهو محال، وأمَّا إذا جعلناه استدلاليًّا وقلنا: «دليل كونه تعالى حيًّا أنه قادر عالم، والقادر العالم يجب أن يكون حيًّا» - فقد نازع فيه أهل الإلحاد، بأن قالوا: القادر العالم لا يكون في الشاهد إلا جسماً ومتحركاً ويلتذ ويشتهي، ويجوز عليه الموت ونحوه من العجز والجهل، فقولوا مثله في الغائب، أو فاخرجوا عن الْمُدَّعَى مِن أن القادر العالم يجب أن يكون حيًّا كما خَرَجْتم عن أن يجب له سائر ما ذكر.

  وقد أجاب القرشي عن هذا بما لا يظهر كونُهُ مُخَلِّصًا، قال: إن كونه حيًّا إنما يصحح القادرية والعالمية دون سائر ما ذكرتم. وهذا كما ترى احتجاجٌ بمحل النزاع، وهو معترض بأن صفة حي تصحح سائر صفات الجملة من الشهوة والنفرة واللذة والألم؛ فالإلزامُ باقٍ، وفيه قلبُ المدلول دليلاً؛ من حيث إن مساق الكلام في أن القادر العالم يصحح كونه حيًّا، وهو جعل الكلام بالعكس كما ترى. فالأولى في الجواب - وإن كان لا يلزم على طريقتنا إلَّا لإزاحة الشبهة عمن يمكنُ القدحُ بها عليه - بأن يقال: أما ما ألزمتمونا به في لزوم الجسمية في الغائب قياساً على الشاهد - فهو وارد عليكم في العلة التي تزعمونها مؤثرةً في