فصل: في الكلام في أن الله تعالى حي
  العَالَم، بأن يقال: العلةُ في الشاهد - وهي ما أثر على سبيل الإيجاب - يجب أن تكون جسماً أو عرضاً كالجسم في وجوب التحيز، والعرض في وجوب الهيئة في الجسم، فكما قلتم في العلة المؤثرة في العالم: «ليست بجسمٍ ولا عرض» قلنا مثل ذلك في الفاعل المختار. وأمَّا سائر ما ذكرتموه فمتفرع على الجسمية، فلا يلزم الاعتراض بما هو من شأن الفرع بعد انتفائه لانتفاء الأصل المتفرع عنه.
  والتحقيقُ أنَّ ما ذُكر من كون الحي في الشاهد يجب أن يكون جسماً يتحرك ويسكن، وتصح عليه الشهوة والنفرة واللذة والموت والعجز والجهل - ليس متفرعًا على مجرد كونه قادرا عالما لا غير، بل على ذلك مع كونه محدَثًا، والله تعالى ليس بمحدَث، والقادر العالم الحي من خاصِّيَّة الفاعل المختار أعم من أن يكون محدثاً أو قديماً، فلا يلزم فيمن اتصف بأنه قادر عالم حي أن يكون جسماً ومحتركاً أو ساكناً ونحو ذلك إلا إذا كان محدثاً، وهذا واضح، والله أعلم.
  إن قيل: كيف ساغ لكم دعوى أنَّ العلمَ بكون الفاعل المختار يجب أن يكون حيًّا ونحوه ضروريٌّ(١) وهؤلاء أهل الإلحاد ينكرون العلمَ بذلك فضلاً عن أن يكون ضروريًّا، وهؤلاء إخوانكم المسلمون من المعتزلة وجماعة من الزيدية يقولون: العلم بذلك استدلاليٌّ، ولو كان ضروريًّا لَمَا أنكره أهل الإلحاد رأساً، ولَمَا جعله هؤلاء المسلمون استدلاليًّا، بل كان سبيل الجميع أن يعلموه ضرورة؛ لأن الضروريات يشترك فيها جميع العقلاء كما في سائر الضروريات؟
  قلنا: الضروري مهما توقف العلم به على علمٍ استدلالي لم يحصلْ إلا بعد النظر في ذلك العلم الاستدلالي حتى يتقررَ ويثبتَ في النفس، فمتى حصل ذلك الاستدلالي وثبت في النفس لزم معه حصول العلم الضروري بما هو من لازم ذلك المعلوم استدلالاً، وليس هو ضروري بكل حال حتى يلزمَ ما ذكره
(١) خبر أنَّ.