فصل: في الكلام في أن الله تعالى حي
  وإنما أخر هذا المبحث عن مسألتي قادر وعالم لتعلقه بالثلاث المسائل وبمسألة موجود؛ فإن العلم بالأربعة الأوصاف ضروري عند العلم باحتياج العالَم إلى فاعل مختار، وخلاف المعتزلة ومن وافقهم في جَعْلِ ذلك استدلاليًّا هو في الأربعة أيضاً، فبعد أن يفرغوا من الاستدلال على الثلاث المسائل الأُوَل من كونه تعالى قادراً وكونه عالماً وكونه حيًّا يأخذون في الاستدلال على كونه موجوداً، ولم يجعلوا نفس وجود العالم وحدوثه دليلاً على وجود صانعه، بل يطلبون له دليلاً آخر يسمونه دليل التَّعلق، وإذا لم يجعلوا وجود العالم وحدوثه دليلاً على وجود صانعه تعالى فماذا بعده من دليل هو أنهض في الدلالة على وجود الصانع؟! فإن دليل التعلق الذي ذكروه هو كما قال شارح الأساس |: لا يدل على المقصود إلا على سبيل التمحل والتكلف، والله أعلم. وصدق #، فإن دليل التعلق الذي جعلوه عمدة الاستدلال على كونه تعالى موجوداً لا يدل على المقصود إلا على سبيل التمحل والتكلف، وسيأتي الرد عليهم وإبطال مقالتهم في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.
  فإذا ثبت أن الله تعالى حي على حسب ما مر من القول عند جمهور أئمتنا $ ومن وافقهم: إن العلم بذلك بعد تقرير العلم بإثبات الصانع هو ضروري، أو على قول البعض منهم ومن وافقهم: إنه استدلالي - فلنتكلم فيما يتصل بهذه المسألة من الفروع والمباحث:
  الأول: زعمت البهاشمة ومن وافقهم من الزيدية كالقرشي وغيره أن للحي بكونه حيًّا صفة زائدة على ذاته شاهداً وغائباً على نحو ما قالوه في مسألتي قادر وعالم، وتلك الصفة راجعة إلى جملة الحي في الشاهد، وإلى ذات الباري تعالى في الغائب، ويجعلونها حالةً له، بها فارق الميت والجماد.
  وقال(١) أبو الحسين وابن الملاحمي: إنَّ المرجع بكونه حيًّا إلى أنه لا يستحيل
(١) في الأصل: «وذهب».