الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله قديم

صفحة 174 - الجزء 1

  موجوداً بذاته، وهو محال؛ لأنه يصير بذلك قديماً. وإن قيل بالثاني فيشكل عليه ما تقدم في الفرع الأول أن البقاء ليس معنى زائداً على ذات الباقي، وأن تحصيل الحاصل محال.

  ويمكن الجواب على ما يرد على الأول⁣(⁣١) بأن الإجماع محله غير محل البحث الذي نحن بصدده؛ لأنهم إنما أجمعوا على ذلك بمعنى أن الله تعالى يفني كل شيء ويهلكه لقيام الدليل السمعي بذلك، ودلالة العقل على إمكانه، وكلامنا في بقائه حتى يفنيه، وفي بقاء الأجسام والأعراض الباقية في الآخرة هل هو بالذات أم بفاعل تلك الذات؟ ولم يُجمعوا على أنه لا باقي بذاته لو لم يفنه الله تعالى ويهلكه إلا الله تعالى. وأما لزوم الاستغناء عن الله تعالى في وجود الباقي فإن أريد بذلك إلزام الاستغناء في إيجاد ذلك الموجود فلا يُسلم اللزوم، وإنْ أريد في استمرار وجوده فهو محل البحث، وللخصم أن يلتزمه بشرط أن لا يفنيه فاعل الذات، ولا يسبب عليه ما يستلزم إعدامَه من طرو ضد ونحوه، نحو ما يذهب منها بشدة الحر والبرد، وسائر العاهات كالحيوانات والنبات والثمار، وسائر الخضراوات.

  ويمكن الجواب على ما يرد على الثاني⁣(⁣٢) بأن ما ذكر في الفرع الأول هو في هل البقاء صفة زائدة على ذات الباقي؟ وكلامنا هنا هل استمرار البقاء هو بالفاعل أم بنفس الذات؟ وهو يمكن القول بأن ذلك بالفاعل من دون أن يكون ثَمَّ صفة زائدة على ذات الباقي؛ إذ لا تنافي بين القولين. وأما لزوم تحصيل الحاصل فلا يُسلم أن هذا منه؛ لأن تحصيل الحاصل المحال هو إيجاد الموجود بإعادة إيجاده الأول، لا جعله مستمر الوجود فليس من ذلك.

  فقد اندفع ما يرد على كلا القولين، وبقيت المسألة محل نظر واحتمال؛ فيطلب


(١) أي: قوله: «فيشكل عليه الإجماع ..» الخ.

(٢) أي: قوله: «فيشكل عليه ما تقدم في الفرع الأول ..» الخ.