فصل: في الكلام في أن الله قديم
  المعنى المعنويةَ كمريد وكاره، ومن جهة أنه فعل الخلق صفةَ الفعل، فاستحق أربعاً من الصفات الخمس، ولا يستحق الخامسة - وهي التي بالفاعل - لأنه لا فاعل له تعالى؛ لأنه قديم. وجعلوا الذوات الثلاث كلها ثابتة في الأزل، وليست كلها موجودة في الأزل، إنما الموجود منها في الأزل ذاتٌ واحدةٌ وهي ذات الباري تعالى، وجعلوا الصفات كلها أموراً زائدة على الذوات لا توصف بوجود ولا عدم، وليست بأشياء مستقلة يصح تعلق العلم بها على انفرادها، بل تُعلم تبعاً للذات، وليست لا شيئاً أصلاً؛ لأنها معلومة بالتبعية للعلم بالذوات القائمة بها، وفَرَّعوا من ذلك قولهم: الصفات لا توصف، وجعلوا صفة مدرِك مقتضاة عن صفة حي بشرط وجود المدرَك، ولا يوصف بها في الأزل، بل عند وجود المدرَك، بخلاف الأربع الأُوَل فيوصف بها في الأزل؛ لأنها مقتضاة عن الذات أو عن الصفة الأخص، وهي مقتضاة عن الذات، والذات موجودة في الأزل. ويجعلون صفة مدرِك متجددة عند وجود المدرَك وليست بحادثة عند وجود المدرَك، وصفةَ سميع بصير بمعنى حي لا آفة به يوصف بهما في الأزل، وسامعٍ مبصرٍ متجددة كمدرِك. وصفةَ مريد وكاره جعلوهما في حقه تعالى لأجل معنيين هما: نفس الإرادة والكراهة، وجعلوهما حادثين عند وجود المراد والمكروه، يحدثهما الله تعالى في غير محل، لكن يختصان به على أبلغ الوجوه، بمعنى لو كان تعالى محلًّا للمعاني لَحَلَّا فيه كالشاهد، ويخلقهما تعالى وهو غير مريد لهما؛ إذ لو أرادهما لاحتاجا إلى الإرادة وتسلسل.
  وهذا مع كونه مبنيًّا على القول بثبوت الذوات في العدم وقد مَرَّ إبطاله بما لا مزيد عليه فهو باطل من وجوه أُخَر: منها: أنهم جعلوا صفات الذات في الباري تعالى ما بين مقتض ومقتضى، وهما كالعلة والمعلول لا فرق بينهما، إلَّا أنهم فروا عن العلة والمعلول لشناعتهما، وأتوا بما في معناهما؛ لأن العلة هي ما يؤثر على سبيل الإيجاب ويستحيل تخلف المعلول عنها، والمقتضي هو يؤثر على سبيل