الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله قديم

صفحة 184 - الجزء 1

  الإيجاب ويستحيل تخلف المقتضى عنه.

  فإن قالوا: الفرقُ أنَّ العلة مؤثرة في المعلول وليس المقتضي مؤثراً في المقتضى.

  قلنا: ففسروا لنا ما معنى يقتضي؟ فإن كان بمعنى يُوجد مقتضاه عند وجوده قلنا لهم: فهل كان ذلك على سبيل الإيجاب فهو العلة، فلا فرق حينئذ بين أن يقال: يُؤثر أو يقتضي، أم كان لا على سبيل الإيجاب بل على سبيل الاختيار فهو باطل بلا تناكر؛ لخروجه إلى الفاعل والمفعول؛ فيلزم حدوث الصفات المقتضاة وكونُ المقتضية قادرة عالمة حية موجودة، فإمَّا لذاتها فكان يجب ذلك لذات الباري تعالى من أول وهلة، واسترحتم عن هذه المحالات بأصلها، وإما لأجل صفات أُخر أخص مقتضيات لها قيل فيها ما قيل فيما قبلها وتَسَلْسَل.

  ومنها: تقسيماتهم صفات الباري تعالى إلى تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، فجعلوا بعضها مقتضى عن الذات المقدسة عن أن تنالها الأوهام أو يتطرق إليها الانقسام كالصفة الأخص، وبعضَها مُقتَضىً عن المقتضي كالصفات الأربع: قادر وعالم وحي وموجود، وبعضَها مُقتَضىً عن المقتضى عن المقتضي كصفة مدرِك وسامع مبصر مقتضاة عن حي، وبعضَها مقتضى بشرط غير مشروط في سائرها، كالثلاثة الأخيرة مقتضاةٌ عن حي بشرط وجود المسموع والمبصَر وسائر المدرَكات، وبعضَها بشرط خلاف الشرط المذكور، كقادر وعالم وحي وموجود مقتضاةٌ عن الصفة الأخص بشرط وجود الذات عند أبي هاشم، وبعضَها عن نفس الذات بشرط وجود الذات كالصفات الأربع عند أبي علي، والصفة الأخص عند أبي هاشم.

  ومن المعلوم ضرورة أو استدلالاً أن هذا التقسيم المختلف الأطراف والمتعدد الأوصاف إن كان مطابقاً لِمَا في الخارج لزم التعدد في الأزل، فما اعترضوا به على الأشاعرة في إثبات المعاني القديمة من أنه يلزم أنها آلهة فهو وارد عليهم، وإن لم يكن مطابقاً لما في الخارج فهو حقيقة الكذب.