فصل: في الكلام في أن الله قديم
  لا يقال: فيلزمكم إذ قد نفيتموها أن تنفوا ما اشتق منها؛ فلا يقال له: قادر عالم حي؛ لأنا نقول: قد تقدم أن القادرَ: هو من صح منه الفعل، أعم من أن يكون لأجل قدرة فيه كالشاهد، أو لأجل ذاته كالباري تعالى. والعالِمَ: من يصح منه الفعل المحكم، أعم من أن يكون لأجل علم فيه كالشاهد، أو لأجل ذاته كالباري تعالى. والحيَّ: من يصح منه الفعل والتدبير، أعم من أن يكون لأجل حياة فيه كالشاهد، أو لأجل ذاته كالباري تعالى.
  لا يقال: إذا جعلتم الصفات هي الذات لزم اختلاف الذات لاختلاف تلك الصفات؛ لأنا نقول: لا نسلم لزوم الاختلاف بعد نفي حقائق تلك الصفات وإثبات الذات سَادة مَسَّدَ الجميع.
  دليله أنها صارت كلها عبارة عن كونه تعالى يصح منه الفعل، وليس في زيادة الإحكام نفي الاقتدار على غير المحكم.
  وبعد، فهذا لازم للجميع؛ لأن مَن جعلها صفات أو معاني قائمة بذاته أو أموراً مقتضاة عن ذاته لزمه اختلاف الذات باختلاف ما قام بها، أو بحسب اختلاف ما اقتضته، بل الإلزامُ مع إثبات الأمور والمعاني والصفات المتعددات أدخلُ وأظهرُ في لزوم اختلاف الذات، بل لا يسلم لزومه إلا في هذه الأقوال دون الأَول.
  لا يقال: اختلاف المفاهيم في قادر وعالم وحي يدل على اختلاف الذات باختلاف مفاهيم هذه الصفات، فمفهوم قادر ليس بعاجز، ومفهوم عالم ليس بجاهل، ومفهوم حي ليس بميت ولا جماد، فاختلفت هذه المفاهيم، فيلزم اختلاف الذات باختلافها.
  لأنا نقول: ما ثبت اختلافُ الذات باعتبار المنطوقات، فكيف يثبتُ باعتبار المفهومات؟ على أن جميع هذه المفاهيم راجعة إلى السلب، والسلب لا يقع به تماثل ولا اختلاف؛ لأن التماثل والاختلاف لا يكونان إلا بعد وجود المختلفين