فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  أحدهما: أن يكون الناصب له «أنزل»، فيكون المعنى: أنزل الكتاب على هذين القسمين إرادةً منه ø الفتنة - أي: المحنة والبلوى - على المكلفين، وإرادتُه منهم تأويلُه، وهو يحتمل تقدير مضاف، أي: ابتغاء معرفة تأويله، ويحتمل عدم تقديره، والمعنى: ابتغاء أن يُؤولوه.
  وثانيهما: أن يكون الناصب له «فيتبعون»، فيكون المعنى: يتبعون المتشابه يُريدون الفتنةَ للناس عن دين الحق وصدهم عنه، ويُريدون تأويلَه على حسب اعتقاداتهم الرديئة وضلالاتهم الكفرية، ثم عطف على هذه الجملة بقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وهو يحتمل تنزيله وتوجيهه إلى المعنيين المذكورين، فإنْ كان على الأول كَان التقديرُ: أنزلَ الكتاب على وجهي الإحكام والتشابه ليعرفوا تأويله، وما يعرف تأويله الموافق والمطابق للحق منهم إلا الراسخون في العلم. وإن كان على الثاني كَان التقديرُ: أنَّ الذين في قلوبهم زيغ يتبعون تأويله وليسوا من أهله؛ لأن {مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وهؤلاء المتبعون المتشابه ليسوا راسخين في العلم، إنما هم راسخون في الجهل الشديد والزيغ البعيد. ثم قوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} يحتمل أن يكون مقولاً من الراسخين؛ لأنهم لَمَّا وقَفُوا على معنى القسمين، وتيقن لديهم صحة كل من الضربين على وجه لا يناقض الآخر بل يعضده ويقويه ويبينه - صَحَّ لهم أن يقولوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ} أي: كل واحد من المحكم والمتشابه {مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، ويحتمل أن يكون مقولاً من الذين في قلوبهم زيغ، فتكون كلمةَ حق أرادوا بها باطلاً، وهو تكميل احتجاجهم على من أرادوا أن يفتنوه عن اعتقاد الحق في العدل والتوحيد والوعد والوعيد وسائر المسائل القطعية أصولية أو فروعية، فيقولون له: كل من عند الله، فليس الاحتجاج بهذا أولى من الاحتجاج بهذا. ثم قال: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، ختم الآية وقفلها بهذه الجملة تأكيداً لما سيق إليه الكلام؛ فيكون إيقاظاً وإلهاباً لطالب الحق أن يتذكر ويسلك مسلك أولي