الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]

صفحة 235 - الجزء 1

  وكما ورد في أحاديث النزول ليلة عرفة مع الحجيج ومباهاته ø ملائكته بهم، فإنما ذلك كناية عن رضاه تعالى عنهم وانصرافهم مغفوراً لهم، وفي السنة كثير من ذلك صار شبهة للجاهلين وفتنة للضالين، ومع ورود ذلك في الكتاب العزيز فلا يمكنُ رد ما ورد من السنة بالأسانيد المعتبرة والطرق المتكاثرة إِلا مَا لا يحتملُ التأويل المطابق للمحكم وللأصول المقررة.

  وكذلك ورد في كلام أمير المؤمنين #: (الحمدُ لله العالي في دنوه، والداني في علوه)، وقوله: (الذي بَعُدَ فَنَأ، وقَرُبَ فَدَنَا، وعلا بحوله، ودنا بطوله)، وقوله: (والسماوات ممسكات بيده، مطويات بيمينه سبحانه وتعالى)، وقوله: (فاتقوا الله الذي أنتم بعينه⁣(⁣١)، ونواصيكم بيده، وتقلبكم في قبضته)، إلى غير ذلك.

  قال الإمام يحيى بن حمزة # في الطراز ما لفظه: فَإذا قام البرهان العقلي على استحالة هذه الأعضاء على الله تعالى، وأنه منزه عن جميع أنواع التشبيهات المكونات: الجسمية والعرضية وتوابعهما، كالكون في الجهات، والأعضاء والجوارح، والحلول والمجيء والذهاب، وغير ذلك من توابع الجسمية والعرضية - فَلا بد من تأويل هذه الظواهر على ما تكون موافقة للعقل، وإعطاء للبلاغة حقها؛ لأن مخالفةَ العقل غيرُ محتملة، وحَملَ الكلام على غير ظاهره محتملٌ، وتأويلُ المحتمل أحقُّ من تأويل غير المحتمل؛ فلهذا وجب تأويلها، وللعلماء في تأويلها مجريان:

  المجرى الأول: الذي ينتجه علماء الكلام من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من المنزهة، وهو أنهم يتأولون هذه الظواهر على تأويلات وإن بعدت؛ حذراً عن مخالفة العقل، واغتفر بُعْدُها لأجل مخالفة العقل، ويعضدون تأويلاتهم بأمور لغوية، فيقولون: المراد باليد النعمة، وإن المراد بالعين العلم، إلى غير ذلك.


(١) في الأصل: «بنعمته». والمثبت من شرح النهج.