فصل: [معاني بعض الآيات المتشابهة]
  قلت: وسبيلُ هذه المسألة كالتي قبلها؛ لفقد الدلالة القطعية.
  وقد احتج في الأساس وشرحه لأهل القول الأول بأنه لا يحتاج إلى الرّصد إِلا ذو الغفلة، وهذا إِنما يلزم لو لم يجعل الرصد لتعليم الغير كالملائكة $. وذَكرَ شيخنا ¦ مَا احتج به أهل القول الثاني، وَهُوَ قوله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج ٢٢]، {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة ٧٩]، {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[سبأ ٣]، وعلِمُ الله ذَاتُهُ، ولا يستقيم تأويله به في الكل.
  قلت: وهذا معترض بأنهم لم يُريدوا بالعلم هاهنا إلا التَّعبير عن كونه تعالى عالماً بأن أثبت اللوح كناية عن ذلك، فلا يستقيم اعتراضه بقوله: وعلم الله ذاته؛ لأن المراد من ذلك أن الأمر الذي لأجله كان تعالى عالماً هو ذاته لا معنى ولا صفة ولا مزية زائدة كما مر تحقيقه. وقوله |: «ولا يستقيم تأويله به في الكل» يقال فيه: أمَّا قوله: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ونحوها مما ذكر فيه لفظ اللوح أو الكتابة فَلا مانع، بل هو مستقيم، وأمَّا قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} فَالمذكور قبلها {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ٧٧ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ٧٨}[الواقعة] وهي نظير قوله تعالى: {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، والكلام في اللوح لا في الكتاب، إِلا إِذا جعلنا الكتاب بمعنى اللوح فَيمكن أن يقال: إن الضمير في {لا يَمَسُّهُ} يعود إلى المصحف لا إلى اللوح؛ ولذا جعلت الآية أحد أدلة منع الجنب ونحوه مس المصحف، على أنَّ قوله تعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[سبأ ٣] لَوْ حُمل الكتابُ على اللوح الحقيقي لَماَ لائم {لا يَعْزُبُ عَنْهُ} أي: لا يغيب عنه تعالى، أي: عن علمه؛ لأن الضمير في عنه يعود إلى الباري تعالى؛ لأن أول الآية: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ لأنا إِذا جعلنا قولَه: {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} تأكيداً للعلم