الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا

صفحة 255 - الجزء 1

[فصل] في الكلام في أن الله ø غني لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلاً

  والغَنِي له حقيقةٌ في أصل اللغة، وحقيقةٌ في عرف اللغة، وحقيقةٌ في عرف الشرع، وحقيقةٌ في اصطلاح المتكلمين.

  أمَّا في أصل اللغة فَهو مَن استغنى بما في يده عما في أيدي الناس وإن قَلَّ.

  وأمَّا في عرف اللغة فَذلك يختلف باختلاف الأعراف والجهات، فَلا يكاد يطلق الغني في بعض الأمصار إِلاَّ على أَهل الثروات الكبيرة.

  وأَمَّا في عرف الشرع فَهو مَن ملك نصاباً أو ما قيمتُه نصابٌ ولَو غير زكوي.

  وأَمَّا في اصطلاح المتكلمين فهو الحي الذي ليس بمحتاج.

  قلنا: «هو الحي» لأن الميت والجماد لا يوصفان بالغنى. وقلنا: «الذي ليس بمحتاج» خَرج به كل من عداه ø، فلا يندرج تحت هذا الحد غيره تعالى؛ إذ كل ما سواه محتاج إليه تعالى، وهو تعالى لا يحتاج إلى غيره أصلاً، لا في ذاتهِ من كونه ذاتاً موجوداً، وَلاَ في صفاته من كونه تعالى قادراً عالماً حياً سميعاً بصيراً قديماً، ولا يشبه الأشياء، ولا يفتقر إلى شيء مما يحتاج إليه الجسم من الحيز والجهة والتأليف، ولا إلى ما يحتاج إليه العرض من وجود شبح يقوم به، ولا إلى ما يحتاج إليه الحيوان من المأكل والمشرب ونحوهما، ولا إلى ما تحتاج إليه هذه المذكورات كلها وهو الموجد لها والفاعل؛ فهو تعالى غني على الإطلاق، وكل شيء سواه محتاج إليه تعالى.

  قال #: (فَإِنْ قيل لك) أيَّها الطالب الرشاد (: أربك غني؟ فقل:) نعم هو تعالى (غني لم يزل ولا يزال) غنياً (ولا تجوز عليه) سبحانه وتعالى (الحاجة في) أي (حال من) جميع (الأحوال) قال الإمام يحيى بن حمزة #: اعلم أن الكلام في تنزيه الله تعالى عن الحاجة إلى المنافع وتوابعها وعن المضار وتوابعها مِمَّا لم يقعْ فيه خلافٌ بين أهل القبلة على اختلاف أهوائهم وتباين طرقهم، ولا حُكِيَ الخلافُ في