[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  الوعيد؛ لأنا لو لم نقل بذلك أدَّى إلى الشكِ وعدمِ القطع في كلِ فرد من أفراد هذه المنفية ودخولِ كل فرد من أفراد الأنبياء والمؤمنين الجنة، ودخولِ كل فردِ من أفراد الكفار النار؛ وفي ذلك هدم للدين، ولحوق بزمرة الكفرة الملحدين.
  فَتقرَّرَ بهذا أن دلالة العموم فيما يتعلق بالمعارف الإلهية ونحوها قطعي، وثَبتَ الاستدلال بالآية المذكورة على نفي رؤيته تعالى لجميع المكلفين، ولجميع أوقات الدنيا والآخرة.
  الوجه الثاني: ما ذكره المؤلف # في كتابه المعروف بينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة، وذكره القرشي في المنهاج، وغيره من علماء العدلية، وهو أنه تعالى تمدح بنفي إدراك الأبصار له، وأنه تَمدُّحٌ راجعٌ إلى ذاته، وكلُّ مدحٍ راجع إلى الذات فَإثباتُ نقيضِه نقصٌ، والله تعالى لا يجوز عليه النقص، وهذا الدليل مبني على أربعة أصول:
  أحدها: أنه تَمدَّحَ بنفي إدراك الأبصار له تعالى.
  ثانيها: أنه تَمدُّحٌ(١) راجع إلى ذاته.
  ثالثها: أن كلَّ مدحٍ راجعٍ إلى الذات فَإثباتُ نقيضه نقص.
  رابعها: أن النقص على الله تعالى لا يجوز.
  أما الأصل الأول فلا خلاف أنَّ الآية وارِدةٌ مورد المدح له تعالى، ولِأَن أوَّلَ الكلام مدح، وهو قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} الآية [الأنعام ١٠١]، وآخره مدح أيضاً، وهو قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فيجب أن يكون المتوسط مَدْحاً، وَهُو قَولُه تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، وإِلَّا لَزِمَ أَنْ يتوسط ما ليس بمدحِ بين أوصافِ المدح، وهو مستهجن عِند أهل العربية فَلا يصح في كلام الحكيم.
(١) في المخطوطتين بنص تمدح وراجع، وهو خطأ.