[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  فيه، فكذلك كونُه تعالى يرى كل الأشياءَ ولا يَراه شيءٌ منها، ويصير الجميع كالشاهد والكاشف على أنه تعالى لا يشبه الأشياء ولا تشبهه، ولا يجوز عليه ما جاز عليها.
  واعترض هذا الرازي بِأن قال: إِنما يَحصل المدحُ بنفي الرؤيةِ إِذاَ كانت جَائزة وكان تعالى قادراً على مَنع الأبصار عن ذلك، وجعل هذا وجهاً مستقلاً في جوازها.
  قال القرشي ¦: والجوابُ: يُقال له: وكذلك في [التمدح بنفي](١) السِّنَة والنَّوم والصاحبة والولد، وجوابه جوابنا، وأمَّا قياسه لِذلك على التمدح بنفي الظلم والعبث فَغيرُ صحيح؛ لأن التمدحَ هنا راجعٌ إلى الفعل، وما كان كذلك فلا يتم المدح فيه إلا مع القدرة عليه؛ ولهذا لا يصح التمدح بنفي الجمع بين الضدين ونحو ذلك، بخلاف ما كان راجعاً إلى الذات فإنه غير مقدور، على أنَّا ننفي ما تمدح الله بنفيه وإنْ رجع إلى الفعل؛ فَنقول: لا يظلم لا في الدنيا ولا في الآخرة، فهلا قال بمثله في نفي الإدراك؟ انتهى كلامه ¦، وهو كلام جيد في رد ذلك الاعتراض فتأمله.
  قلت: ويُزَادُ في الرَّد على الرازي بأن يقال له: وما تريد بقياسك لنفي الرؤية أنَّه لا يصير مدحاً إلا إذا كانت جائزة، وكان تعالى قادراً على منع الأبصار عن ذلك على نفي الظلم والعبث؟ فإِنْ أردت به الاستدلال على صحة مذهبك لإِمكان الرؤية وجوازِها فَالأصل المقيس عليه - وهو نفي الظلم - هو مستحيل الوقوع على أصلكم: أن حقيقة الظلم هو التصرف في ملك الغير؛ إِذ لا ملك لغير الله تعالى، فَكيف تستدل لإمكان شيء وجوازه بالقياس على شيء مستحيل في نفسه؟! وَإِنْ أردت به إبطال استدلالنا وإلزامنا الخروج عنه بالقياس على التمدح بنفي الظلم والعبث فلسنا نحد الظلم بما ذكرتم فيلزمنا التمدحُ بنفي المحال، ولا نُجَوِّز صدورُه
(١) ما بين المعكوفين من منهاج القرشي.