الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 276 - الجزء 1

  والأرجح بطريقةِ الاستخدام بين الحقيقة والمجاز، فَيُجعلَ الإدراكُ المنفيُّ في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ} على حقيقته، وهو الإحساس بإحدى الحواس، ويُجعل الإدراكُ المثبت في قوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ} مجازاً عن العلم، ثُمَّ بعد هذا تَجعلُ الأبصارَ الأَوَّلَة على حقيقتها، فَيصير التجوزُ في إِسنادِ الإدراك إليها، لا في نفسِ الإدراكِ فلا بد من بقائه على حقيقته بكل حال، أوْ بمعنى المبصرين بالأبصار، فَيصير التّجوزُ فيها لا في الإسناد ولا في الإدراك، وأيما كان من الاعتبارين فالأبصارُ الثانية إما أن نجعلها تابعةً للأولى، بِأن نجعل الكل على حقيقته أو على مجازه، أو نُخالف بينهما، بِأن نَجعلَ الأولى في حقيقتها والثانيةَ في مجازها على سبيل الاستخدام أيضاً. فَإنْ جعلناها في الكل حقيقةً فلا يحسن إِلَّا مع قصد المبالغة في الثانية بِأنه تعالى يُدرك البصرَ الذي هو المعنى القائم بالحدق الذي يستحيل عليكم أن تدركوه بأي حاسةٍ من حواسكم، فكيف لا يدرككم أو يخفى عليه شيء من حالاتكم،! ويصير هذا كقوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}⁣[غافر ١٩]، ونحو ذلك مما لا نَتَمكّن من العلم به بواسطة الحاسة وإِن علم لنا وجوده بالدليل، كما نعلم وجود البصر في العين بحصول المقتضَى عنه وهو الإدراك؛ فهذا وجه بليغ لا غبار عليه، وإن لم تقصد معه المبالغة فهو ضعيف حسبما مر إيضاحه، فلا ينبغي حمل الآية عليه. وإنْ جعلناها في الكل مجازاً بمعنى المبصِرين فهو ضعيف أيضاً إلا مع القيد المذكور، بأن يقال: المبصرين بالأبصار، وإِن خَالفنا بَينَهما بأن جعلناها في الأول على حقيقتها وفي الثاني بمعنى المبصرِين فلا يحسن إلا مع القيد المذكور، أو جعلنا الأولى بمعنى المبصرِين والثانيةَ على حقيقتها فمع ذكر القيد في الأولى وقصد المبالغة في الثانية يَصير وَجْهاً بليغاً في غاية من البلاغة والإفادة والإجادة، ولعل أن الاعتبار الأول في منزلته، ومنهما يعرف سقوط كلام المعترض بقوله: فَهو تعالى من جملة المبصرين فيدخل فيما شمله العموم الخ الاعتراض المذكور؛ لأنه لم يرد بالأبصار الثانية مطلق المبصَرِين فيدخل سبحانه في جملتهم، وكذلك على سائر