[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  قومه) ولم يقل المؤلف #: «لِقومه» لئلا يوهم بذلك أنَّها تصح لهم أو له، ولو قال: «بل لقومه» لَأوهم جوازها لهم وله من باب الأولى، فَعدلَ عن «اللام» المفيدة الجواز والصحة إلى «عن» التي لا تفيد ذلك. وإنما قلنا: إِنَّ موسى # لم يسأل الرؤية لنفسه لدليلين:
  أحدهما: ما ذكره المؤلف # بقوله: (كما حكى الله ø في قصص قومه) في قوله تعالى خطاباً لنبينا محمد ÷ وعلى موسى وعلى سائر الأنبياء وآلهم الطاهرين: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ (فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)}[النساء ١٥٣]، فَقضت هذه الآية أنَّ سؤالَ أهل الكتاب الرؤيةَ أمرٌ فَضيع، واعتقادُها قبيحٌ شنيع، أفضع وأشنعُ في القبح من سؤالهم لِنبينا محمد ÷ كتاباً غير القرآن، مع أنَّ سؤالَهم كتاباً غير القرآن كفرٌ بلا ريب، فكيف بما هو أكبر منه إثماً وأعرق ظلماً؛ لذلك عَقَّب هذه الجملة بقوله ø ({فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ) بِظُلْمِهِمْ}[النساء ١٥٣]، وقرنها بالفاء المفيدة التّعقيب والتسبيب لِأخذ الصاعقة إِياهم، حتى هلكوا وماتوا من حينهم، وسمى ما طلبوه ظلماً وأيَّ ظلم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (و) إِذا كان اعتقادُ جواز الرؤية وطلبها أكبرَ من سؤال كتاب غير القرآن، وسبباً لإهلاك من طلبها واعتقدها وتسميته ظالماً - وَجبَ أن ينزه عنها موسى #؛ لأنه (لو سألها) # (لنفسه) وشاركهم في اعتقاد جوازها على الله تعالى (لصعق معهم) ولكان ظالماً مثلهم، وذلك مما ينزه عنه الأنبياء $ إجماعاً. وإنما قلنا: لَو سَألها # لنفسه لَصعق معهم وَلكان ظالماً مثلهم لأنه حينئذ يكون قد شاركهم في السبب والعلة التي لأجلها نَزلت بهم الصاعقةُ وَسُمَّوا ظالمين؛ لأن الاشتراكَ في السبب والعلة يُوجبُ الاشتراكَ في الحكم، وهذا واضح كما ترى.
  الدَّليل الثاني على أَنه # إنما سألها عن قومه: أن المخالفَ مسلمٌ لنا أنَّ الرؤيةَ لا تجوز على الله تعالى في الدنيا، والسؤال وقع لطلبها في الدنيا، فإما أن