الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 282 - الجزء 1

  يكون سألها وهو عالم بأنها لا تجوز على الله تعالى في الدنيا فذلك اقتراح وطلب لما لا يجوز، وإمَّا أن يكون طلبها وهو غير عالم بأنها لا تجوز على الله تعالى في الدنيا فذلك جهل شديد، وحاشا نبيه وكليمه وصفيه عن ذلك، لَقد برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً. وأمَّا قولُه تعالى: {وَخَرَّ مُوْسَى صَعِقًا} فَإِنما أُغمي عليه # لشدة مَا رَأى من حالهم عند أن أخذتهم الصاعقة؛ بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ} الآية [الأعراف ١٤٣].

  وَلما رأى الخصوم تحريرَ هذا القول الفصل أَرادوا الانفصال عنه بما لا محصول له من الكلام الهزل، فقالوا: إنه لم يكن عقابُهم بالصاعقة ووسمُهم بالظلم لِمجرد كونهم طلبوا الرؤية فَقط، بَل لِأنَّهم اقترحوها من بين سائر المعجزات وعلقوا إيمانهم عليها، ولم يعتبروا المعجز مِن حيث هو كما هو الواجب في حق المعجز؟

  والجوابُ عليهم: أن الفاءَ موضوعة للسَّببية، فيقتضي أنَّ مَا ذُكرَ بعدها سَببٌ عما ذُكِرَ قبلها، ولَو صَحَّ ما ذكروه من التأويل الفاسد والتعليل الكاسد لَبطلت الأحكامُ الشرعية وغيرها من الأمور المسببة عما قبلها والمقرونة بفاء السبب، نحو زَنَى ماعز فرجم، وسَرَقَ فلان فقطع، ولَجاز لقائل أن يقول: إن الرجم ليس مُسَبَّباً عن الزنا مع الإحصان، وإنَّ القطع لم يكن مُسَبَّباً عن السرقة، وهذا معلوم البطلان. مع أنَّ الرؤية لَو كانت جائزة لَكان طلبها مثل طلب سائر المعجزات في الجواز والإباحة، ولا حرج في طلب ما يوصل إلى معرفة الحق كيفما كان، أَلَا تَرى أن الرُّسلَ À لم تَزلْ تطلبُهم الأممُ الذين أُرسلوا إليهم المعجزاتِ، ويقترحونها عليهم حسبما يريدون، فإِنْ كانت المصلحةُ في ذلك أظهره الله عليهم، وإلا فلا، مِن دون أن ينزلَ بهم مَا نزل بهؤلاء الذين طلبوا مِن الله تعالى مَالا يجوز في حقه، ومَا يقتضي الإشراك به تعالى ومشابهته لخلقه. ومن أعظم خبطهم في هذه القصة وفرط غلطهم ولغطهم في هذه الآية