الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 283 - الجزء 1

  أنهم قالوا: إن موسى # لَمَّا علم جواز رؤيته تعالى طَلَبَها في دار الدنيا، فَأخبره الله تعالى أَنه لا يراه في الدنيا، وصار ذلك أَصْلاً عِنده وعند بني إسرائيل مُقرراً أَنَّه لا يراه في دار الدنيا، والخبر واجب الصدق، وبعد استقرار هذا الأصل المُعْتَقَد طلبَ بنو إسرائيل الرؤيةَ في دارِ الدنيا تَعنُّتاً أوْ شَكًّا في الخبر، فَأنْزلَ الله تعالى بهم تلك العقوبة.

  قالوا: فَكان طلبُ موسى # الرؤيةَ جائزاً؛ لأنه طلبَها قبل العلم أَنَّها لا تَجوزُ على الله تعالى في الدنيا، وطلبُ قومِه الرؤيةَ غيرُ جائزٍ؛ لأنه بعد أن قد علموا أنها لا تجوز على الله تعالى، ولَو كان طلبها # لَه لا يجوز لَكان حكمُه حكمَهم، ومعاذَ الله لَقدْ بَرّأَه الله مِن ذلك وكان عند الله وجيهاً، هذا ما قاله أحمد في حاشيته على الكشاف.

  والجوابُ كما ذكره القرشي ¦ في المنهاج بقوله: فيقال للخصوم: إِمَّا أن تزعموا أنَّ سؤال الرؤيةِ كان مرتين، وهذا شيء بعيد؛ لأنه كيف يسألها موسى وقد صعق قومه عند سؤالها وعلم تعذرها، أو يسألها قومه وقد صعق هو عند سؤالها لهم وهو نبي الله وكليمه؟ وإما أن تعترفوا أن السؤال كان مرة واحدة، فلا يمكنهم القول بأنه سألها لنفسه؛ لأنه لَو كان كذلك لما كان لهم ذنب فيصعقوا من أجله، ولَبطل ما علمناه من إضافتها إليهم⁣(⁣١)، وهذا من أوضح دليل على أنه سألها عن قومه. انتهى كلامه ¦.

  وقد ذَكَر شيخُنا ¦ في حاشيته أَنَّ الخصوم يجعلون طلب الرؤية مرتين وأنها قصتان؛ لأنه # سأل ربه أن يريه نفسَه المرة الأولى ولم يكن معه قومه، والصاعقة في المرة الأخرى، وأكثروا الكلام في هذا، وزعموا أنَّ الزمخشري بنى تفسير هذه الآية على التلبيس ليتم له مذهب قومه. قال: ولم أجد من أجاب عنه إِلا أن المَقْبَلِي في الإتحاف قال: هو أجل قدراً من أَنْ يكون بنى التفسير على


(١) في قولهم: أرنا الله.