[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  جعلنا العلم بنفي الثاني عِلماً له معلوم يتعلق به العلم فإما ذاته تعالى لَزم ما أورده الإمام # أنَّ مَن علم الذات علم نفي الثاني، وإمَّا ذات ذلك المنفي لَزم ثبوتُها؛ إذ لا يتعلق العلم إلا بثابت، ولا قائل بثبوت ذات الثاني وإلاَّ انتقض المقصود من عقد المسألة، ولأن القائلين بثبوت الذوات في القدم إِنما يقولون به فيما علم الله تعالى به أنَه سيوجد، وليس هذا منه، وإمَّا أن يتعلق بغيرِه تعالى مِن سائر الموجودات فَهو إذاً متعلق بما هو أجنبي عن الباري تعالى وعن الإله المنفي، فيصير كالعلم بأن زيداً مثلا ليس بأعمى ولا أعرج هو نفس العلم بأن عَمْراً أعمى وأعرج، وهذا معلوم البطلان، فإذا بطلت الثلاثة التقادير ولا رابع لها ثَبت أن العلم بنفي التشبيه ونفي الثاني علم لا معلوم له.
  ويمكن الجواب على هذا بأن يقال: ما أنكرتم أن العلم بنفي الثاني ونفي التشبيه يتعلق بذاته تعالى على الخلو عن المشابهة وعن جواز إله ثان، ولا يلزم ما ذكرتم أن مَن علمَ ذاتَ الباري علمَ نفيَ الثاني سيما على أصلكم في المسألة التي ذكرتموها قبل(١) هذه أَنَّه يصح أن يعلم الله تعالى من وجه ويجهلَ من وجه آخر، فهلا قلتم: يصح أن يعلمَ ذات الباري تعالى مَن لم يكن قد نَظَر في نفي الثاني ونفي المشابهة، ومتى نظر فيهما وعلمهما كان علماً بالله تعالى مِن الوجه الآخر، فتعلق العلم حينئذ بذاته تعالى، وقد صحح هذا النجري ¦، وحكى رجوع الإمام # إليه.
  وبعد، فما أنكرتم من تصحيح الاعتبار الثالث، وهو أن يتعلق العلم بنفي المشابهة ونفي الثاني بغيره تعالى مِن سائر الموجودات بِأن يقال: هو علمٌ يتعلق بجميع الموجودات من أنها لا يشابهه تعالى شيء منها، ولا يصح أن يكون شيء منها معه إِلهاً آخر، وهذا وجه صحيح لا مانع منه ولا بعد فيه، إلا أن الكلام لَمَّا
(١) يعني: في القلائد.