الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 306 - الجزء 1

  كان في مسائل التوحيد مسوقاً للعلم بالله تعالى قلنا: إِن ما ذكره أبو علي هو الأظهر؛ إلحاقاً لهاتين المسألتين⁣(⁣١) بمسائل الباب؛ ولأنه السابق إلى الفهم عند تحرير الكلام فيهما.

  إن قيل: أليس أن العلمَ باستحالة الجمع بين الضدين والنقيضين علمٌ لا يتعلق بمعلوم؛ إذ لا وجود للضدين والنقيضين ولا ثبوت لهما عند مثبتي الذوات في العدم، وإذا كان كذلك فكذلك فيما ذكرنا من المسألتين المذكورتين.

  قلنا: لا نسلم أنه علمٌ لا معلومَ له، فإن العلمَ باستحالة الجمع بين الضدين والنقيضين مركبٌ من العلم بوجودِ أحد النقيضين أو الضدين وعدم إمكان مجامعة نقيضه أو ضده له، فصار عِلماً متعلقاً بمعلوم له موجود أحد شقيه، معلوم انتفاء الآخر عنه، وهذا واضح. ولا يقال: لا جدوى تحت هذه المباحث، فإن الكلام لا يخلو عن الإفادة، ولا يقوى على استخراج المقاصد والمسائل إلا من أَتعب نفسه في المبادئ والوسائل، ولا يظفر بالدر الخالص إلا مَن غاص مع كل غائص، ومَن زهد عن الاصطياد من الخضم الصافي كان صيده ما جزره البحر من الميت الطافي.

  ماذا على من نالَ أسبابَ العُلَى ... أن أتعبَ الكَفَّينِ في إمساكِها

  حتى ارتقى العَلْيَا وصارت ذاتُه ... فوق الأُلَى ظَنُّوه في إنهاكِها

  وغدا وقد نالَ المُنَى من بعدِ أنْ ... زال العنا قد حَلَّ فوقَ سِماكِها

  أيا صاحبي إلى المعالي شمرا ... كي تعطيا في الحشر خير صكاكها

  دعا الجدال بغير حق واجنح ... إن الهوى في النفس شر شباكها

  واستهديا الرب الكريم طريقة ... من لطفه كي تسعدا بملاكها


(١) وهما: نفي مشابه له تعالى، ونفي إله ثانٍ معه.