الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 308 - الجزء 1

  المقدورات، عالمٌ بجميع أعيان المعلومات، حي دائم لم يزل ولا يزول، ويكون ذلك لذاته كما مر تحقيق جميع هذه الأطراف (ولو كان كذلك لكان هذا) الإله الثاني المفروض ثبوته (على) كل (ما قَدَر عليه) الله سبحانه (قادراً) فيكون كل مقدور لله سبحانه مقدوراً لهذا الإله الثاني؛ لأن كلا منهما والحال ما ذكر قد صار قادراً لذاته، فلا يختص بمقدور دون مقدور.

  ويرد هاهنا سؤال تَنهد له أركان هذا الاستدلال، ويضعف معه التعويل على مجرد الإِجمال، حتى يعرف جوابه بالتحقيق والاستفصال وهو أن يقال: إِن من أصولكم أو أكثركم إحالة مقدور بين قادرين، فَلِمَ جعلتم الاستدلال هاهنا مبنياً على صحته فقلتم: لو كان ثمَّ إله ثانٍ لكان قادراً على جميع ما قدر عليه الله، وهلا قلتم: إن هذا التقدير محال، ومع تقدير كونه محالاً فغايته الدلالة على أنَّ هذا العالَم مقدور الله تعالى، فَلا دلالة في هذا الدليل على نفي إِلهٍ ثان ومقدور ثان، فلا يتم الدليل المذكور لمطلوبكم.

  والجوابُ والله الهادي إلى أوضح المبادي وأوفق المقاصد لِلساري أَن يقال: إِنما المحاُل في مسألة مقدورٍ بين قادرين على القول به وقوعُ ذلك المقدور وبروزه إلى الخارج كذلك، بمعنى أنه صادر منهما معاً كما ستعلم ذلك من كلام المؤلف # الآتي في تمام الاستدلال، والاستدلالُ المذكور في صدر المسألة مِبني على التقدير دون الوقوع، ولا فرق في صحة الأدلة بين أن تبنى على الوقوع أو على التقدير، سيما فيما كان المطلوبُ فيه من الاستدلال هو النفي لِما يدعي الخصم إِثباته، ألا ترى أن الاستدلالَ على نفي الحاجة مبني على أن تقدير وقوع الحاجة في حقه تعالى يَلزمُ منه جوازُ المنفعة والمضرة عليه سبحانه، ولم يكن مبنياً على وقوع الحاجة، وكذلك الاستدلال على نفي الظلم عنه تعالى مبني على أنا لو قَدَّرْنا وقوع الظلم منه تعالى لَدلَّ على الجهل بقبحه أو الحاجة إلى فعله، فجعلنا الدلالة مبنية على تقدير وقوع الظلم لا على نفس وقوع الظلم؛ لأنه يعود من