[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  وليس في حكم المثبت له ما نفي عن المستثنى منه، وإِن سلم فمع احتمال خلافه، تقول: «جاء القوم إلا زيد» بمعنى: إلا زيد فلم يجيء، أو «ما جاء القوم إلا زيد» بمعنى: فإنه جاء، بخلاف غير، تقول: «جاء القوم غير زيد» فيحتمل أن المعنى جاء القوم المغايرون لزيد، فليس فيه إفادة نفي مجيء زيد؛ لأنك أردت وصفهم بمغايرته واقتصرت على الإخبار عنهم بالمجيء لتحققه لديك بالنسبة إليهم دونه، ويحتمل أنك أردت استثناءه منهم وأردت نفي المجيء عنه، لكن ليست الدلالة على ذلك صريحة كما لو أتيت بـ «إلا»، سيما فيما إذا كان الاستثناء من مثبت كما مُثِّل، وأما إذا كان الاستثناء من منفي كقوله تعالى: {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}[هود ٦٣]، وكما لو قلت: ما جاءني القوم غير زيد - فالاستثناء مع ذلك أظهرُ من الوصفية المحضة، أي: المجردة عنه(١)، لكن لا يخرج عن الاحتمال، فلله در إمام المفسرين لآي الكتاب، وهمام المتدبرين لِما انطوت عليه من الأسرار التي تخفى على كثير من ذوي الألباب.
  وفي معنى الآية المذكورة وأصرح في الدلالة على لزوم الاختلاف لو كان معه تعالى إِله آخر، واستحالة وجود مراد الجميع - قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون ٩١]، قال #: (ولقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}) [الرعد ١٦] «أم» عاطفة للجملة على ما قبلها، وهو قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}، فيكون تقدير الكلام: أم هل جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، ليس الأمر كذلك ({قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}) [الرعد ١]، والقهار: مبالغة في القاهر، كفعال في فاعل، وقد مَرَّ
(١) أي: الاستثناء.