[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  أنه بمعنى القادر، ويمكن أنه بمعنى القادر مع الغلبة والقهر لمن ناواه، لا مجرد الوصف بالقادرية، فيكون أبلغ من القادر المطلق.
  ووجهُ الاستدلال بهذه الآية أنَّ الاستفهام الإِنكاري يفيد النفي والإنكار على من ادعى ثبوت ذلك المنفي، فيكون المعنى من الآية الكريمة كما انتفى أن يستوي الأعمى والبصير وأن تستوي الظلمات والنور كذلك ينتفي أن يخلق الشركاء الذين ادعوهم معه تعالى خَلقاً كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فإذا انتفى ذلك فقل: الله خالق كل شيء من أجسام السماوات والأرضين وما فيهما من الأجسام والأعراض الضروريات وسائر المخلوقات، كالحيوانات والأرزاق وغير ذلك، فعبر عن الجميع بقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ}، فَلم يخرج من العموم الذي اقتضاه «كل» المضافة إلى أعمَّ النكرات وهو لفظ «شيء» إِلا ما خصصه العقل، وهو ذاته المقدسة إجماعاً؛ لاستحالة أن يكون من مخلوقاته تعالى، وإلا أفعال العباد؛ إذ لو كانت من مخلوقاته تعالى لَمَّا كان للتوبيخ والإرشاد إلى الاستدلال وإسناد الجعل إلى المشركين معنىً، وهذا واضح، فقاتل الله أهل الجبر كيف يقلبون التخصيص والتعميم في هذه الآية وأمثالها على حسب أهوائهم {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص ٥٠]، فيستدلون بالعموم على خلق أفعال العباد التي قضت الأدلة الخارجة بخروجها من العموم المذكور، مع أنها أدلة عقلية ونقلية لا يمكن دفعها ولا تأويلها، ويخصصون منه القرآن والإرادة والكراهة وسائر المعاني التي ادعوا قدمها مع الله تعالى، مع أن الثلاثة الأُول قد قامت الأدلة القطعية عقليها ونقليها على أنها محدثة وأنها من جملة أفعاله تعالى المخلوقة، وتناولتها الأدلة عليها بخصوصها، وسائر المعاني قد قضت الأدلة أن لا وجود لها في الأزل كما مر تحقيق ذلك، فذرهم وما يفترون، واحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.