الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 317 - الجزء 1

  الكتاب - ليشير إلى أنه لا اعتماد على كلام غيره تعالى من الأكاليم التي يزخرفها بعضهم لبعض، ثم ختم الآية بهذا المعنى صراحة فقال: {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا}، فسبحان الله ما أبلغ حجج الله وأجل معاني كلام الله. ومثل هذه الآية قولُه تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}⁣[الأحقاف ٤].

  فإِن قلت: قد وضحت الدلالة من هاتين الآيتين على التوحيد، فمن أين دلالتهما على العدل وإن لم نكن بصدده، لكن قد ادعيت في أول الكلام عليهما دلالتهما على العدل مع التوحيد، فَبَيِّن تمام مُدَّعَاك على ذلك؛ لأن تلك التوجيهات التي ذكرت لا مدخل لها في العدل، لأنه يصح من القائلين بخلق الأفعال أخذهم دلالتها على التوحيد كما ذكرت؟

  قلت: دلالتُهما على العدل من حيث إن الله ø أمر رسوله ÷ يحاجج المشركين بتلك المحاججة المذكورة، ويرددها على تلك المراتب المصدورة؛ ليخرجوا بتلك المحاججه عما هم عليه من القول بإِلَهِيَّتِهَا واتخاذها شركاء لله تعالى يعبدونها من دونه تعالى، وهذا لا يستقيم إلا إذا كانت أفعالُهم منهم، والتحدي المأمور به الرسول ÷ والمحاججة على تلك المراتب التي ذكرها الله له منه وفعله، ولو كانت الأفعال مخلوقة في المشركين من الله تعالى لما كان لهذا الكلام معنىً، ولما صح أن يأمرَ الرسول ÷ بمحاججتهم ومكالمتهم؛ إذ ذلك فعله تعالى بهم وإيجاده فيهم، وأَمْر الرسول ÷ بمحاججتهم لا ثمرة له حينئذ، ولأن من جملة مخلوقاته تعالى محاججة الرسول إياهم فَلا حاجة للأمر بها، بل إن شاء تعالى أوجدها فيه ÷ من دون أمر بها، وإِنْ شَاءَ لم يوجدها فيه، وإن شاء أوجد فيهم التوحيد ونفى عنهم الشرك، وإن شاء أبقاهم عليه؛ فهذه الدلالة من جهة اللزوم العقلي لو كانت الأفعال من